قال عبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية التابع لمديرية المحافظة على التراب الوطني المغربي (استخبارات داخلية)، إن التنسيق الأمني مع الجزائر لا يرقى إلى مستوى التحديات التي تواجهها المنطقة.
وكشف في حوار مع «الشرق الأوسط»، أن الاستخبارات المغربية زودت دولا غربية وعربية وأفريقية عدة بمعلومات «جنبتها وقوع أحداث تراجيدية».
وقال إن استخبارات بلاده لديها معطيات تحرص على تحديثها من خلال «بنك معلومات خاص بجميع الملتحقين بالجماعات الإرهابية».
وأشار الخيام، الذي يطلق على مكتبه اسم «إف بي آي المغرب»، إلى أن بلاده لديها أجهزة استخباراتية «لها من الاحترافية ما يجعلها تتميز» عن أجهزة دولية. واعتبر أن «التجربة المغربية في محاربة الإرهاب والتطرف رائدة»، مشيرا إلى أن المقاربة التي اعتمدتها الرباط في مواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرّف، عقب أحداث 2003 في الدار البيضاء، هي «مقاربة ثلاثية الأبعاد، تقوم على تطوير الآلة الأمنية، والترسانة القانونية، والتأطير الديني». وفيما يلي نص الحوار:
* تترأسون المكتب المركزي للأبحاث القضائية منذ أكثر من سنتين، هل لكم في البداية أن تقدموا لقراء «الشرق الأوسط» مجالات تدخل هذا المكتب، وحصيلة عمله حتى الآن؟
- المكتب يعد ذراعا قضائية بالنسبة إلى مديرية مراقبة التراب الوطني. وإنشاؤه جاء بعدما اتضح للمشرع المغربي مدى احترافية المديرية، والدور الذي كانت تلعبه في إنجاز قضايا عدة، سواء تعلق الأمر بالجريمة الإرهابية أو بالجريمة المنظمة العابرة للقارات. ذلك أن هذه المديرية كانت تبعث بتقارير استخباراتية إلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي كنت أرأسها، وكانت أبحاث هذه الفرقة تتم بناء على تلك التقارير الدقيقة، وعلى ضوئها نصل إلى النتائج في أسرع وقت. وبالتالي ارتأى المشرع المغربي، نظرا إلى احترافية الأطر العاملين بها، أن يمنحها عام 2015 الصفة الضبطية، بمعنى أن جميع العاملين في المكتب أصبحوا يحملون الصفة الضبطية كبقية ضباط الشرطة القضائية الذين يشتغلون في مختلف مصالح المديرية العامة للأمن الوطني.
كما أعطى الصفة الضبطية أيضا لأطر مديرية مراقبة التراب الوطني كافة، وبالتالي كان الأمر يحتاج إلى قرار مشترك بين وزير الداخلية ووزير العدل والحريات. وبناء على هذا القرار تم إنشاء هذا المكتب، وجعله متخصصا في الجرائم المنصوص عليها في الفصل 108 من قانون المسطرة الجنائية، وهي: جرائم الإرهاب، والمس بأمن الدولة الداخلي والخارجي، والتهريب الدولي للمخدرات، وتهريب الأسلحة، والجرائم التي لها علاقة بصحة المواطن، أي الجرائم الكبيرة التي أصبح النظر فيها من اختصاص المكتب المركزي، هذا إلى جانب أن المكتب المركزي يمكن له التدخل في ربوع المملكة المغربية كافة.
ومنذ افتتاح المكتب المركزي للأبحاث القضائية أنشئت فرقتان أمنيتان، الأولى تختص بالبحث ومعالجة القضايا التي لها صلة بالإرهاب، والثانية تختص ببقية الجرائم المنظمة المنصوص عليها في الفصل 108 من قانون المسطرة الجنائية.
* ماذا كانت حصيلة المكتب خلال السنتين الماضيتين؟
- في إطار السياسة التي تنتهجها المملكة المغربية في مجال مكافحة الإرهاب، والمبنية على الضربات الاستباقية، كانت حصيلة المكتب إيجابية خلال السنتين الماضيتين، إذ جرى تفكيك نحو 42 خلية إرهابية من طرف الفرقة الأولى، واعتقال نحو 608 أشخاص تورطوا في هذه الخلايا. كما أن المكتب قام بعد المصادقة على قانون 2015 الذي يعاقب كل من حاول الالتحاق أو التحق بتنظيمات إرهابية، بالتحقيق مع الأشخاص العائدين من هذه البؤر أو الذين يحاولون الالتحاق بها، وهم حتى الآن 98 شخصاً، منهم 67 شخصا عادوا من سوريا والعراق والمناطق التي تشهد صراعات آيديولوجية من طرف جماعات متطرفة، و11 شخصا عادوا من ليبيا. هذا بالإضافة إلى 32 شخصا تم إبعادهم من تركيا التي اتخذوها معبرا إلى تلك البؤر.
هذه حصيلة الفرقة المختصة بمكافحة الإرهاب. أما بالنسبة إلى الجريمة المنظمة، فإن الفرقة التي تعمل في هذا المجال تجلت حصيلتها في تحقيق أهداف عدة، سواء تعلّق الأمر بالتهريب الدولي للمخدرات، إذ جرى حجز كميات كبيرة من مادة الحشيش، وصل بعضها إلى 60 طناً. كما أن هذه الفرقة قامت أخيرا بحجز كمية كبيرة من مادة الكوكايين بلغ حجمها ألفا و500 كيلوغرام كانت ستدخل إلى المغرب عبر المياه الإقليمية، في طريقها إلى أوروبا. وتدخل المكتب المركزي للمرة الأولى بمشاركة قوات التدخل التابعة للدرك الملكي والبحرية الملكية، وتم رصد الباخرة التي كانت تقل هذه المادة، وأوقف الأشخاص الذين كانوا على متنها، وحجز الكمية التي كانت تزن في البداية ثلاثة أطنان، لكن الموقوفين حاولوا التخلص من جزء منها في عرض البحر. ونسقت الفرقة المكلفة بالجريمة المنظمة مع الأمن الإسباني لتوقيف بقية أعضاء الشبكة التي كانت الكمية المحجوزة موجهة إليها، إضافة إلى عمليات عدة حجزت خلالها كميات كبيرة من الأقراص المهلوسة التي تهرب من الشرق، أي من الجزائر.
وتدخل المكتب أيضا في قضايا قتل تم حلها، مثل قضية طنجة المعروفة التي استمر البحث فيها سنتين، بعدما كانت هناك عملية سطو على ناقلة أموال، تلتها عمليتا قتل شخصين من أجل الاستحواذ على سيارتيهما. وتمكن المكتب من إيقاف هذه العصابة وتقديمها إلى العدالة. هذه بصفة إجمالية حصيلة الفرقتين التابعتين للمكتب المركزي للأبحاث القضائية.
وأود الإشارة إلى أنه سيتم مستقبلا إحداث مكاتب جهوية للمكتب المركزي للأبحاث القضائية. كما سيتم إحداث فرق أخرى داخل المكتب متخصصة في الجرائم المالية والإلكترونية.
* قبل تعيينك على رأس المكتب، كنت مديرا للفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي أسند إليها البحث في قضايا كبرى، هل تجد فرقا بين التجربتين؟
- من ناحية الأبحاث، لا أجد فرقا بين الفرقة الوطنية والمكتب المركزي للأبحاث القضائية، إلا في مسألة مهمة هي السرعة. حاليا المكتب المركزي تابع لمديرية مراقبة التراب الوطني، وهو ما يعني أن المعلومة يتم جمعها من طرف الأطر العاملة بهذه المديرية، ويجري النقاش بشأنها في إطار اجتماعات تتم ما بين أطر المكتب المركزي والمصالح المركزية. بعد ذلك، يتم تحليل هذه المعطيات في ظرف قياسي، وعندما يتضح أن هذه المعلومات يمكن أن تدخل في قالب قضائي يأخذها المكتب المركزي ويباشر الأبحاث بشأنها تحت إشراف النيابة العامة المختصة، ويجري التدخل في حينه.
ويجب ألا ننسى أنه عندما قامت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني بإنشاء هذا المكتب، وضع المدير العام لمديرية مراقبة التراب الوطني مشكوراً، رهن إشارتنا جميع الوسائل اللوجيستية، سواء تعلق الأمر بالعنصر البشري بتأهيل مجموعة من الأطر التي تعمل حاليا في المكتب من الناحية الحقوقية أو من الناحية الحرفية والمهنية، أو بتجهيز المكتب المركزي بجميع الوسائل التقنية، لجعله يقوم بعمله من دون أي معوقات.
* هناك من يشبه عمل المكتب المركزي للأبحاث القضائية الذي تشرفون عليه حاليا بالأدوار والمهام التي يتولاها مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي «إف بي آي»، كيف تنظرون إلى هذا التشبيه؟
- هناك نقاط التقاء ما بين المكتب المركزي للأبحاث القضائية ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، فالأخير يقوم بتحقيقات في جميع الأراضي الأميركية. الاختصاص الوطني هو نقطة الالتقاء بين المكتبين. كما أن مكتبنا حاول أن يستفيد من تجارب عدة منها تجربة «إف بي آي» في تأهيل العنصر البشري، ومواصلة تكوينه باستمرار. ومن الناحية الحرفية لا أظن أن هناك فرقا بين عناصر المكتبين.
* دعوتم أخيرا في طنجة المثقفين والمفكرين المغاربة إلى الانخراط في الحرب التي تخوضها الدولة وأجهزتها الأمنية لمكافحة التطرف والإرهاب، هل لديكم تصور محدد لهذا الانخراط، أو بالأحرى خريطة طريق لإدماج المثقفين في هذه العملية؟
- كنت دائما أقول إن المقاربة التي اتخذتها الدولة المغربية في مواجهة ظاهرة التطرف هي مقاربة حكيمة اتخذت بناء على النظرة الثاقبة لجلالة الملك محمد السادس عقب أحداث الدار البيضاء في 16 مايو (أيار) 2003، وهي مقاربة ثلاثية الأبعاد، تقوم على تطوير الآلة الأمنية، والترسانة القانونية، والتأطير الديني.
في سياق ذلك، تم إنجاز بطاقات وطنية (هوية)، وجوازات سفر بيومترية، وخلق وحدات أمنية مشتركة بين الشرطة والجيش (حذر)، إلى جانب إنشاء هذا المكتب الذي هو اللبنة الأخيرة في تطوير الآلة الأمنية لمواجهة الظاهرة. كما أن المشرع المغربي دعم الترسانة القانونية، ووضع قوانين لتمكين الفرق الأمنية المتخصصة في مجال مكافحة الإرهاب من العمل في إطار قانوني، بحيث لا تكون هناك معوقات تحد من تدخل السلطات الأمنية لمواجهة الظاهرة الإرهابية، كما أن هناك عملا جبارا أنجز لإعادة تأهيل الحقل الديني، إذ تبين من خلال الأبحاث التي قمنا بها عقب أحداث الدار البيضاء الإرهابية أن الأعضاء الذين انخرطوا في تلك الأحداث كانوا يتبنون الفكر الجهادي، بناء على فتاوى صادرة من شيوخ «السلفية الجهادية»، وهي فتاوى فُهمت بشكل مغلوط وخاطئ. وبالتالي وجب إعادة تأطير الشباب المغربي بإصلاح الحقل الديني وتأهيل المرشدين الدينيين والمرشدات الدينيات. كما أنشئت قناة تلفزيونية مختصة في تأطير الشباب في الأمور الدينية، من دون أن ننسى إمارة المؤمنين التي تعفينا من كل شيء. فنحن شعب لنا تقاليدنا وأصولنا وهوية خاصة بنا، ولا نقبل بأي آيديولوجيات دخيلة علينا.
المغرب دولة إسلامية تتبنى مذهبا لا يقصي الآخر، بل يقبل بالآخر، وليست لديه مشكلة مع معتنقي بقية الديانات من يهود ومسيحيين ولادينيين وغيرهم. بمعنى أننا دولة متسامحة ليست لديها صراعات بين الديانات. كما أن المغرب، في إطار مسلسله التنموي، قام بمجهود جبار من أجل محاربة الفقر والهشاشة، وتحسين ظروف عيش المواطن حتى لا يترك الشباب لقمة سائغة لدى المنظمات التخريبية.
هذا فيما يتعلق بالمقاربة الأمنية الثلاثية الأبعاد. وتبعا لذلك كان من الضروري أن يقوم المغرب بإجراءات أخرى من ضمنها إصلاح المقررات التعليمية، لأن تنشئة أطفالنا يجب أن تقوم أولا على تقديس الوطن والقبول بالآخر والتعايش.
لقد كنت دائما أقول إن الانخراط في عملية مكافحة التطرف يجب أن تشمل المثقفين والمفكرين، لأنها تبنى على نظريات آيديولوجية، وبالتالي يسهل غسل أدمغة شبابنا، خصوصا في ظل الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. ومن هنا أطالب هؤلاء الأكاديميين والمنظرين والمثقفين بالمساهمة في هذه المجهودات التي تقوم بها الدولة في مواجهة التطرف، ومن ثم على جميع مكونات المجتمع من إعلاميين وفنانين ومثقفين الانخراط والقيام بمجهودات لتوضيح الرؤية لشبابنا وغيرهم. مع ضرورة الإشارة إلى أن المجلس الأعلى لعلماء المغرب يقوم بواجبه كاملاً.
* استغربتم غياب هذه الفئة المجتمعية عن المقاربة الأمنية. ألا ترون أن الأجهزة الأمنية قصرت بدورها إلى حد ما، وساهمت في هذا الغياب؟
- المسؤولية هي مسؤولية الضمير أولاً، كما أننا دائما نأخذ نماذج في حياتنا. وأنا شخصيا أتبنى طريقة تفكير أستاذي الذي علمني مبادئ عدة أثناء فترة دراستي، وبالتالي وجب على مفكرينا ومثقفينا أن يزرعوا في شبابنا تلك المبادئ المتعلقة بتنقية الفكر من الشوائب، فهذه وظيفتهم الأساسية. يجب أن يعودوا إلى هذه الرسالة، أي الوظيفة التربوية والتوضيحية والتأطيرية والتنظيرية كذلك. لقد قلت أخيرا في ندوة بطنجة إن المفكر والمثقف المغربي يجب عليه أن يساهم في المجهودات التي انخرط فيها المغرب لمواجهة جميع ظواهر التطرف، لأن دور المثقف المغربي سيكون لا محالة إيجابيا لدعم الجهود التي تقوم بها المصالح الأمنية والدولة المغربية ككل.
* معروف أن الخبرة المغربية في مواجهة التطرف وتفكيك الخلايا الإرهابية بشكل استباقي أصبحت ذائعة الصيت في العالم، وباتت مطلوبة من دول عدة ضمنها دول كبرى، كيف وصلت الأجهزة الأمنية المغربية إلى امتلاك هذه الخبرة، هل هناك سر معين؟
- السر الوحيد هو المهنية واحترافية مصالحنا (أجهزتنا) الاستخباراتية التي لها من الاحترافية ما يجعلها تتميز عن بقية المصالح الاستخباراتية الدولية. ومن جهة أخرى، هناك ذكاء وتفاعل المشرّع المغربي مع جميع الأحداث التي تقع. وهنا أود التأكيد على أن التشريعات المغربية متطورة جداً، فالمشرع كان ذكياً، ووضع ترسانة من القوانين التي جعلت المغرب، يقوم بضرباته الاستباقية في إطار القانون، ومن دون وجود أي عائق. وأود أن أضيف أن التجربة المغربية أصبحت رائدة، وتتجلى قوتها في تلاحم المواطن والمؤسسات الأمنية والتشريعية والقضائية. وبالتالي فإن الجميع منخرط في الحرب على ظاهرة الإرهاب التي ليست لها علاقة بتقاليدنا وديننا الإسلامي. وهنا أسجل الدور الفعّال للمواطن المغربي الغيور على أمن بلده واستقراره، خصوصا بعدما شاهدنا بكل أسف ما حدث ويحدث في بعض الدول العربية، ومن ثم فإننا لن نقبل أن يشرد فرد من شعبنا أو تنزح امرأة من المملكة المغربية إلى بلد آخر. وبالتالي أجدد القول إن قوة المغرب تتجسد في مهنية واحترافية مصالحه الاستخباراتية، وتتجسد أيضا في قوة تشريعاته، وتلاحم المؤسسة الملكية والشعب والمؤسسات الأمنية. فهذا هو ما جعل النموذج المغربي يصبح رائداً، وجعل مصالحه الاستخباراتية سباقة، في إطار سياستها الاستباقية، في إمداد دول غربية وعربية وأفريقية عدة بمعلومات جنبتها وقوع أحداث كانت ستكون تراجيدية بالنسبة إليها.
* في سياق حديثك عن التنسيق الأمني، معلوم أنه بعد الجمود الذي عرفه التعاون الأمني المغربي - الفرنسي، عادت وتيرة التنسيق إلى درجة أفضل، خصوصا بعد المساعدات التي قدمتها الأجهزة المغربية لنظيرتها الفرنسية عقب هجمات باريس، فكيف يتم الوصول إلى معلومات في غاية الدقة تتعلق بشبكات إرهابية تنشط فوق تراب دولة أخرى ولا تصل أجهزة تلك الدول نفسها إلى هذه المعلومات؟
- يجب أن تعلم أن المصالح الاستخباراتية المغربية لديها معطيات تحرص على تحيينها (تحديثها) من خلال توافرها على بنك معلومات خاص بجميع الأشخاص الذين يلتحقون بالجماعات الإرهابية وينشطون فيها.
ثانياً، يجب أن تعلم أن علاقة التنسيق بين المغرب وفرنسا لم تجمد أبداً، لأن المغرب يترفع عن جميع الخلافات السياسية من أجل الحفاظ على أمن وسلامة الإنسان. لقد كان هناك دائما تنسيق بيننا وبين المصالح الاستخباراتية الفرنسية. ثالثاً، بالنسبة إلى المعطيات التي توصلت إليها الاستخبارات المغربية، ومدت بها المصالح الاستخباراتية الفرنسية من أجل رصد العقل المدبر للأحداث المؤلمة التي عرفتها باريس، كانت بناء على تحليلات أنجزتها مصالحنا الاستخباراتية.
ويجب ألا ننسى أننا نتتبع جميع الأشخاص، سواء كانوا من أصول مغربية أو مغاربة، وبالتالي فالمعلومات التي تم التوصل إليها هي معلوماتنا وأعطيناها للمصالح الفرنسية، فكان التدخل في حينه وجنّب فرنسا أحداثا دموية أكثر وطأة مما وقع في تلك الجمعة المشؤومة.
التنسيق الأمني لا يقتصر فقط على فرنسا، بل يشمل حاليا إسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا والدول العربية كلها، باستثناء الجارة الجزائر نظرا إلى تعنتها. وحتى بالنسبة للدول الأفريقية، فالمغرب ساهم في الأبحاث التي قامت بها المصالح في مالي وكوت ديفوار. نحن دولة تفتح يديها لمحاربة الإرهاب أو الجريمة، فعندما يتعلق الأمر بتجنيب أرواح إنسانية الخطر، يترفع المغرب عن جميع الخلافات، ويمد الدول التي تعنيها هذه المعلومات بها لاستعمالها في الحيلولة دون وقوع الخراب والدمار.
* على ضوء حديثكم عن بلجيكا، هل تم تجاوز البرود الذي عرفته العلاقات الأمنية بسبب ما عرف آنذاك بـ«خلية بلعيرج»؟
- هذا السؤال يجب طرحه على الأشقاء البلجيكيين، لأن المغرب دق لهم ناقوس الخطر في قضية ما عرف بـ«خلية بلعيرج»، وأنا ممن أشرفوا على البحث في تلك القضية. آنذاك قلنا إن بلجيكا لديها أحياء تفرخ الإرهابيين منها حي مولينبيك في بروكسل. وهذا ليس معناه أن كل المقيمين في الحي إرهابيون. وفي إطار البحث الدقيق الذين قمنا به حول «خلية بلعيرج»، كانت هناك محاولة قتل من قبل ارتكبها أحد عناصر الخلية في المغرب، وتم إدخال أسلحة، وجرى التخطيط لتنفيذ عمليات إرهابية في المغرب، وتوالت العمليات الإجرامية وبينها عملية سطو وعمليات قتل في بلجيكا. تم إرسال معلومات بشأن ذلك إلى الأشقاء البلجيكيين، إلا أن السلطات القضائية تعاملت معها بنوع من المماطلة. ومن ثم فإن ما وقع أخيرا في بلجيكا ما هو إلا تحصيل حاصل، لأن المغرب دق ناقوس الخطر وحذر بروكسل منذ «خلية بلعيرج».
الحقل الديني في بلجيكا لم يكن منظماً، لكنها تحاول حاليا أن تستفيد من التجربة المغربية في هذا المجال. والمغرب مد يده لها ووضع تجربته رهن إشارتها وإشارة غيرها من الدول من أجل تأطير أولئك الشباب الذين كبروا في مجتمع عرف سياسة الإقصاء والتهميش من لدن الدولة البلجيكية، فعوض تأطيرهم من الناحية الدينية كان هناك نوع من اللامبالاة من طرفها. والآن ارتأت بلجيكا أن النموذج المغربي يبقى هو الأقرب إلى سياستها من أجل إدماج جميع الشباب من الناحية الدينية. لكن من جانب آخر أقول إن الأشخاص الذين ترعرعوا في ذلك المجتمع، مغاربة كانوا أم جزائريين أم تونسيين، يجب أن يعاملوا من دون تمييز، أي مثل بقية المواطنين البلجيكيين وألا يتعرضوا للإقصاء والتهميش.
* المغرب كان من الدول السبّاقة في العالم العربي إلى إعادة تأهيل الحقل الديني. لكن مع ذلك نلاحظ أن كثيرين من المغاربة انخرطوا في التيارات الإرهابية والجهادية، كيف تفسر ذلك؟
- ليسوا كثيرين. وأتساءل هنا لماذا تبدو الأرقام التي يعلن عنها المغرب كبيرة؟ والجواب هو أن المغرب من الدول القليلة التي تقدم إحصاءات بكل شفافية، بناء على الأبحاث التي نقوم بها في المكتب المركزي، من خلال مراقبة الأشخاص الذين سافروا وما إلى غير ذلك. وبالتالي ففي إحصاءاتنا يوجد نحو ألف و600 شخص متشبعين بالفكر «الجهادي».
* ألف و600 فقط توجهوا من المغرب إلى بؤر التوتر للالتحاق بالجماعات الإرهابية أم أن هذا الرقم يشمل أيضا من توجهوا من دول أخرى؟
- أنا هنا أتحدث فقط عن الأشخاص الذين التحقوا بتلك الجماعات انطلاقا من المغرب. أما بالنسبة إلى من ينطلقون من أوروبا، فهذا أمر لا يعنينا، فدول الاستقبال عليها القيام بتحديث المعطيات المتوافرة لديها، لمعرفة العدد الحقيقي للأشخاص الذين التحقوا بجميع مناطق التوتر.
يشير التحاق هؤلاء الشباب بالجماعات الإرهابية، رغم المجهودات التي يقوم بها المغرب، لا سيما في مجال تأهيل الحقل الديني، إلى أن هناك تحديا تواجهه الدول كلها وليس المغرب فقط، يكمن في وسائل الاتصال، ذلك أنه لا يمكن لأي دولة كيفما كانت إمكانياتها أن تتابع نشاط هؤلاء على الإنترنت، خصوصا أن معظمهم من ذوي المستوى الثقافي البسيط جداً. ولهذا دعوت المثقفين والمفكرين إلى ضرورة تأدية رسالة تربية وتأهيل هؤلاء الشباب.
وأجدد التأكيد على أن الرقم الذي أعلنا عنه ليس مهولاً. الأمر يتعلق بأشخاص ترسخت لديهم أفكار متطرفة عن طريق الإنترنت، إذ يتم استقطابهم وغسل أدمغتهم، مع العلم أن كثيرين منهم ندموا وعادوا إلى بلدهم.
* تحدثتم عن وجود تنسيق أمني مع دول غربية وعربية، باستثناء الجزائر، هل يمكن الحديث عن تنسيق بدرجة صفر معها؟
- ليس هناك تنسيق أمني بدرجة صفر مع الجزائر. لكن أقول إن التنسيق لا يرقى إلى مستوى التحديات التي تواجهها المنطقة، وعندما أتحدث عن تعنت الإدارة الجزائرية، فذلك لأن الجزائر خلقت بؤرة توتر يمكن استغلالها في أي وقت من طرف شبكات إرهابية. وتم استغلالها بالفعل من طرف «داعش»، لأن لدينا معلومات وإحصاءات مفادها بأن مائة انفصالي من جبهة «بوليساريو» في تندوف ينشطون في «داعش»، إضافة إلى وجود «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» الذي ينشط في جنوب الجزائر، وليست للجزائر عليه أي سلطة. وكذلك النزاع القائم بين الفرقاء السياسيين في ليبيا الذي بفضله وجد «داعش» موطئ قدم في المنطقة.
وعليه أقول إن كل هذه التحديات يجب أن تكون دافعا لتكثيف التنسيق بيننا، لأن مصلحتنا هي تأمين المواطنين، سواء المغاربة أو الجزائريون أو الموريتانيون أو التونسيون أو الليبيون، وأن نحمي منطقتنا المغاربية، وليس أن نزيد في تفريخ المشكلات في قضية افتعلتها الجزائر (قضية الصحراء)، وهي تعلم ذلك، والتاريخ أنصف الدولة المغربية باسترجاع أقاليمها الجنوبية، إذ هناك حكم من محكمة العدل الدولية بلاهاي لا يمكن الطعن فيه، لكن مع ذلك يتعنت الأشقاء الجزائريون من أجل ترك هذه المنطقة تستغل من طرف انفصاليين يحتجزون مواطنين مغاربة في مخيمات تعيش أوضاعا كارثية، وتعاني من الفقر المدقع، وتتعرض المساعدات الإنسانية الموجهة إليهم فيها لإعادة البيع والتهريب، وهذا وارد في التقارير الدولية ولست أنا من يقوله.
انخراط موجودين في مخيمات تندوف في جماعات إرهابية سيشكل خطرا على المنطقة ككل. إذن، فالوضع في مخيمات «بوليساريو» سيتم استغلاله لا محالة من طرف هذه التنظيمات، وبالتالي سيعيش المواطن المغربي وشقيقه الجزائري في خطر. وبالنسبة إلينا، اتخذنا جميع التدابير في حدودنا لتأمين المواطن المغربي، واستقرار بلدنا. إننا دائما نطالب بالتنسيق مع الجارة الجزائر التي تجمعنا معها أواصر التاريخ واللغة والدين، وإذا لم يفهم المسؤولون الجزائريون هذه الرسالة فذاك أمر آخر. كرجل أمن لا تعنيني القضايا السياسية، ولا يمكنني أن أحشر نفسي فيها. أطالب بالتنسيق الأمني، وأنبه إلى مكمن الخطر، ولهم واسع النظر في اتخاذ القرار الذي يناسبهم.
* في إطار العلاقة مع موريتانيا التي تميزت أخيرا بنوع من البرود، ما حقيقة التنسيق الأمني معها؟ هل ظل كما كان قويا وكثيفا أم أنه تراجع؟
- مع الإخوة الموريتانيين كان دائما هناك تنسيق أمني مثمر وجاد. ولم نلحظ أي فتور فيه، فالأشقاء في موريتانيا نسقوا معنا دائما في المسائل الأمنية وكذلك الأشقاء التونسيون والمصريون، وأجدد تأكيد أنه لم يكن هناك قط أي فتور في مستوى التعاون الاستخباراتي مع موريتانيا.
* عقب إعلان افتتاح المكتب المركزي للأبحاث القضائية في 2015، قلتم آنذاك إن هناك 180 مغربية التحقن بأطفالهن بتنظيم داعش، أين وصل عددهن الآن، خصوصا أنه سبق لكم قبل أشهر الإعلان عن تفكيك خلية نسائية لـ«داعش»؟
- العنصر النسائي يلتحق بهذه البؤر، ليس من أجل الجهاد. فالمرأة المغربية من منطلق الإخلاص لزوجها تلتحق به. سجلنا عودة 59 منهن من مجموع 180 إلى أرض الوطن، بعدما تبينت لهن حقيقة الأمر أو أن أزواجهن قتلوا في المعارك الدائرة هناك. إننا في المغرب نتعامل معهن بشكل عادي. بيد أن خلية نسائية تم استقطابها عن طريق الإنترنت تضم 10 فتيات بينهن 7 قاصرات جرى تفكيكها قبل أشهر، فشكل ذلك بالنسبة إلينا تحولاً. إلا أن بعضهن، ولله الحمد، قاصرات لا يستطعن التمييز بين الحق والباطل. ومن ثم جاء تدخلنا في وقته، ليس فقط من أجل اعتقالهن، بل لحمايتهن، والحفاظ على سلامتهن بالدرجة الأولى. القانون المغربي أخذ مجراه في هذه القضية، لكنه يتعامل مع هؤلاء القاصرات معاملة خاصة من خلال إعادة إدماجهن في المجتمع وتأهيلهن.
* استطاع المغرب أن يحافظ على الاستقرار وسط منطقة حبلى بالاضطرابات، وطبعا جرى الكشف عن كثير من الخلايا الإرهابية في إطار عمليات استباقية، ألا ترون أن ذلك يبقى سيفا ذا حدين؟ فهناك من جهة الحفاظ على استقرار البلاد، ومن جهة أخرى يضر الإعلان بالسياحة والاستثمار، هل نفهم من ذلك أن الهاجس الأمني يظل هو سيد الموقف والأولويات لديكم؟
- الأمن والاستقرار يجب أن يكونا من أولوياتنا، لأنه من دون أمن لا يمكن أن تكون هناك سياحة أو استثمار، بل بالعكس في إطار ضرباتنا الاستباقية نقوم بتفكيك خلايا قبل أن تمر إلى مرحلة تنفيذ مخططاتها. هذا يدل على يقظة مصالحنا الأمنية، ونقاء الجو المغربي من جميع المظاهر التي يمكن أن تضر بالسياحة، وبالتالي لا أظن أن ضرباتنا الاستباقية تضر بهذا القطاع. نحن نؤمن بأن اقتصاد المملكة المغربية ينبني على تأهيل القطاعات كافة ومن بينها السياحة. وعندما نتدخل، فذلك من أجل أن تبقى سياحتنا رائدة.
* إذا طلبت منكم أن تصفوا لي درجة التأهب الأمني في المغرب حالياً، ماذا تقولون عنها؟
- لسنا من الدول التي تقول إن لدينا الدرجة الأولى والدرجة الثانية والثالثة. وأنا دائما أتساءل: ماذا تعني هذه الدرجات؟ هناك دائما تأهب أمني ويقظة أمنية ليظل هذا البلد مستقراً، وينعم فيه المواطن بأمنه وأمانه، وتبقى عجلة النمو ببلادنا في سكتها الصحيحة من أجل الازدهار وتحسين ظروف عيش المغاربة. وكرجل أمن أقول إنه يجب أن يبقى التأهب دائماً، ليس فقط على مستوى المكتب المركزي، بل في بقية المصالح الأمنية الأخرى كالدرك الملكي والمصالح الجمركية والقوات المسلحة الملكية المرابطة على حدودنا من أجل حمايتها، والتي أغتنم هذه المناسبة لأوجه إليها تحية إجلال وإكبار بصفتي مواطنا مغربيا قبل أن أكون مسؤولا أمنياً، وأشكرها على تفاني أفرادها في الذود عن الوطن، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جميع المصالح التي تسهر على أمن بلدنا واستقراره.
التعليقات