عبد الرحمن الراشد
خيراً فعلت اللجنة المشرفة على «جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية» لهذا العام، عندما منحتها للدكتور رضوان السيد، الذي صنع فارقاً واضحاً في هذا الحقل. وهو من الشخصيات الفكرية القليلة على الساحة اليوم الذي يقدم قراءة متطورة للثقافة الإسلامية. والجائزة، عندما اختارته، ترسل رسالة إيجابية: هذا هو الفكر الإسلامي الذي نريده.
وفي كلمته، بمناسبة تسلمه الجائزة، ركز على ثلاثة تحديات يواجهها المسلمون في العالم: «تحدي (ما سماه) استنقاذ الدولة الوطنية، وتحدي الإصلاح الديني، وتحدي تصحيح العلاقة بالعالم». وهو على مدى أربعة عقود ساهم في أعمال فكرية ثمينة خرج بها عن التقليد المكرر. وفي طروحاته نلمس عصرنة الإسلام، الذي يعاني من أثقال عظيمة ربطت به تجعله لا يتقدم، وبسببها لم يصلح للزمان والمكان الحاليين.
تاريخ الدكتور السيد تجربة حياتية وأكاديمية طويلة متنوعة وثرية؛ من ترشيش لبنان، إلى الأزهر، إلى جامعة بامبرغ في ألمانيا، إلى جامعة شيكاغو الأميركية... وعايش مدارس الإسلام المختلفة في عدد من المدن العربية.
أثار في كلمته، بمناسبة تسلمه الجائزة، «إنشاء جماعة الفكر السياسي الإسلامي»، محفل مجدد. والتجديد هو المسألة الملحة بسبب الظرف التاريخي الخطير؛ فأزمة المسلمين السياسية تكمن في التفسير التاريخي للإسلام الذي يمارس انتقاءً وتعسفاً اليوم. وقد سبقت الدكتور السيد إلى فكرته، جماعات نشرت خلايا فكر سياسي إسلامي أصّلت على هواها صيغة «شرعية» للدولة الإسلامية، وصيغة حياتية للفرد المسلم، مسؤولة عن الكوارث التي أصابت العالم اليوم.
أهمية مفكرين بحجم الدكتور السيد أنهم يملكون القدرة العلمية والفكرية، وبالطبع الاحترام الذي يجعلهم خير من يتولى تقديم مشروع حضاري جديد، يفك أزمة مليار مسلم يعانون من التضييق الذي فرض عليهم من قبل فقهائهم، الذين إما خطفوا فكرياً، وإما عجزوا عن مسايرة التطور الذي غيّر العالم.
هذا التحدي سمعه الدكتور السيد نفسه عندما تخرج في جامعة الأزهر بالقاهرة، ورحل إلى ألمانيا لمتابعة دراساته في الإسلاميات... يقول إن مستشرقاً ألمانياً سأله بشيء من السخرية: لماذا تأتي إلينا من الأزهر للحصول على شهادة التأهل في الإسلاميات، ولا نشعر نحن بالحاجة للذهاب إليكم من أجل دراسة كلاسيكيات الإسلام؟! الإسلاميات، ككل العلوم، ليست حكراً على المسلمين، بل إن معظم المتميز فيها نجده في الجامعات الغربية.
والدكتور السيد الذي مر على كثير من الجامعات ومراكز الدراسات يعدّ المشاركة في إنشاء وتطوير «علم الإسلام» مهمة جليلة وضرورية، تقوم بها مؤسسات محترمة مثل «مؤسسة الملك فيصل الخيرية».
وبمناسبة منحه الجائزة؛ الاعتراف الذي يستحقه، فنحن نتطلع إليه ومثله، وكل الجماعات التحديثية، من أجل أن يدفعوا بالنخبة نحو إصلاح الوضع الفكري المتخلف والتخريبي الذي لا يليق بحاضر أمة كبيرة ولا بتاريخها العظيم. وتطوير المراكز العلمية، وتفعيل المتميز منها، الخطوة الأولى نحو تطوير المجتمع كله..
التعليقات