سمير عطا الله
حوَّل الناقد طارق الشناوي الفن، إلى مادة «عامة». عثر للحياة الفنية على زوايا أخرى، تتجاوز عالم الشاشة أو المسرح. وكتابه الأخير حوَّل الراقصة المصرية تحية كاريوكا إلى موضوع سياسي أو اجتماعي، بحيث لم تبد جزءاً من تاريخ مصر الفني فقط، وإنما ناشطة سياسية تعلق المجتمع المصري بشخصيتها الوطنية بعدما ظلت لعقود رمزاً للرقص وحده، ولو بأعلى درجاته الفنية. فمنذ أن غنت أم كلثوم، ورقصت تحية، في عرس الملك فاروق، عام 1934، لم تبد مجرد أداء يحبه البعض ويرفضه المحافظون.
كان الدكتور إدوارد سعيد قد أقدم على خطوة غير مألوفة، عندما خرج عام 1990 من كتاباته الفلسطينية ليكتب مرتين، في «لندن ريفيو أوف بوكس» عن تحية. تحدث عنها كشاب أعجب (عام 1950) برقصها وحضورها، ومن ثم كسيدة مصرية انخرطت في العمل السياسي والاجتماعي، ودخلت السجن 3 مرات: عهد فاروق، وعهد عبد الناصر، وعهد أنور السادات.
حضرها كمشاهد، ومن ثم قابلها كظاهرة تستحق الكتابة، خصوصاً أن مشاعرها السياسية كانت تنسجم مع مشاعره ومواقفه. ولم يتردد سعيد في وصفها بأنها «أعظم راقصة مصرية» في التاريخ. وروى أنها ورثت الرقص عن بديعة مصابني، اللبنانية التي أنشأت «كازينو بديعة»، في الجيزة، مكانه اليوم فندق شيراتون.
وكانت بديعة بدورها ميلودراما اجتماعية، هربت من قسوة الفقر فِي لبنان لتصبح جزءاً من الحركة الفنية الأولى في القاهرة، التي كانت مركز الفن العربي على أشكاله في تلك المرحلة. بل أصبحت زوجة نجيب الريحاني، أشهر من وقف على خشبة المسرح في تلك الأيام.
حاولت تحية كاريوكا - على ما أعتقد - أن تحذو حذو أم كلثوم. فالغناء والرقص وحتى المسرح والسينما، كانت فنوناً يتحاشاها المحافظون. ونجحت أم كلثوم في أن تلهب جماهير العرب مع الحفاظ على سمعة كاملة. أما تحية فرأت أن العمل الوطني وعمل البر، يمكن أن يرسما لها شخصية بعيدة عن صورة الرقص في أذهان الناس. وفي سنواتها الأخيرة، انصرفت كلياً إلى التدين والزهد والصلاة، وختمت حياتها «الحاجة تحية»، وليس «نجمة الرقص العربي». أما «معلمتها» بديعة مصابني فعادت إلى لبنان، حيث افتتحت في بلدة شتورة محلاً لبيع الألبان والأجبان على «طريق الشام» قرب الحدود مع سوريا، موطن أمها، ولبنان، موطن أبيها. وكان قد قيل إن بديعة جمعت ثروة كبرى في مصر، لكنها تبددت. كذلك ما جمعته تحية، التي عاشت «تصرف ما في الجيب، يأتيك ما في الغيب»..
التعليقات