سارة مطر

نحن بحاجة إلى جيل يستطيع أن يتفهم الاختلاف، وأن هذه الحياة تستحق أن تعاش بدلاً من تطويق أنفسنا بالقنابل المتفجرة، لكي نقتل أناساً لا نعرفهم لكنهم لم يروقوا لنا بكل بساطة

من الأخبار الجميلة التي قرأتها مؤخراً، ما صرح به رئيس الثقافة والفنون الأستاذ سلطان البازعي، عن فكرة إنشاء معهد لتعليم الموسيقى والدراما في السعودية، وهذا بالنسبة لي خبر مهم جدا في تغير مفاهيم ومناهج التعليم في المجتمع السعودي، ولكن هل يمكن لك أن تتخيلي حجم الأعداد الهائلة التي سوف تنضم إلى هذا المعهد؟ ومقدار المواهب التي ستتكشف سريعا أمام المعلمين؟ من وجهة نظري سيقبل العديد من الشباب المهتمين بالإعلام المرئي والموسيقي إن تم افتتاح المعهد. وأشعر بحجم كبير من التفاؤل، وربما يكون مبالغا فيه بعض الشيء، ولكني أتمنى من كل قلبي أن يشعر الآخرون مثلي بهذا الفرح والتفاؤل الجديد. إنه تغيير منهجي نحو الانفتاح العقلي والثقافي وحتى النفسي والمجتمعي، لأنك بذلك تنقل مجتمعك بكل بساطة من ضفة إلى أخرى، وبخصوص الذين لا يرغبون في وجود مثل هذه المعاهد لأي سبب، سواء أكان عقائديا أو اجتماعيا، يمكن لهم بكل بساطة ألا يفتحوا الأبواب لأبنائهم، لكن في ذات الوقت عليهم ألا يحرموا غيرهم من اكتشاف مواهبهم في المهارة الدرامية أو الموسيقية.
أتصور أننا سنخلف جيلا يؤمن أكثر بالموسيقى والكلمة، جيلا قادرا على أن يعي أن البترول ليس وحده كافياً لأن يجعل منه إنساناً راقيا، ووفيا، ونبيلاً، وطاهراً، وقديساً، ستفتح أبواب الغنى في الروح والذات والفكر، وسيصبح قادراً على أن يتحرر من بعض العقائد التراثية، التي تجعل منه إنساناً معوقاً لا يقدر على الحركة أو التفكير، والفن بحد ذاته مشروع لا يمكن أن يموت تجاه الحياة، نحن بحاجة إلى جيل يستطيع أن يتفهم الاختلاف، وأن هذه الحياة تستحق أن تُعاش بدلاً من تطويق أنفسنا بالقنابل المتفجرة، لكي نقتل أناسا لا نعرفهم لكنهم لم يروقوا لنا بكل بساطة، ولم يستطيعوا أن يحصلوا على نصف التفاتة منا، وهو ما جعلنا نتخيل أننا نمتلك القدرة على إبادتهم متى شئنا وكيفما شئنا.
المجتمع في الوقت الآني بحاجة إلى جيلٍ خلاب، يكون أكثر وعيا من الأجيال التي سبقته، وأكثر إيماناً بالحراك الحيوي والتقدمي، وربما أكثر وفاء منا ومحبة لذاته ولوطنه ولجيرانه، وأن لا يصدق أن الحياة تدور فقط حول قيمه ومعتقداته، وإنما عليه أن يتفكر جيداً من دون عقد، بأن الآخرين حقيقة لا ذنب لهم في مشاكله النفسية والفكرية، وأنه وحده من عليه أن يتحمل تكلفة أمراضه القهرية.
يقول البازعي في حواره مع الزميلة «عكاظ» إن المشهد الثقافي في السعودية، بدأ يتشكل بالشكل الصحيح كما يجب أن يكون، مؤكدا على أن الثقافة والفنون في طريقهما لاستعادة مكانتهما، كجزء من حياة الناس في المملكة، لتصلا إلى أكبر نطاق ممكن من قاعدة المستفيدين من النشاط الثقافي والفني. الفن لا يمكنه أن يجعل منك إنساناً صالحاً إذا لم تكن ترغب في ذلك، ولكنه من الممكن أن يجعل أبو سن والمنسدح وعبودي باد، يجدون أنفسهم من خلال إبراز مواهبهم، والسعي نحو تحريرهم من الأخطاء التي ارتكبوها، إما نتيجة لوجود فراغ هائل في حياتهم، أو بسبب عدم وجود وعي كاف لإدراكهم الحدود التي يجب ألا يتجاوزوها تجاه مجتمعهم، ويعملون على إعادة مواهبهم المختلفة من خلال قنوات واضحة المفاهيم والمعالم.
قنوات التواصل الاجتماعي أثبتت بكل جدارة أن العديد من أفراد المجتمع السعودي يمتلكون مهارات إبداعية مختلفة، لا يمكن لها أن تقتصر على أن يكون أحدهم مخترعا فقط، ولكن يمكن أن يكون مبدعاً في مجالات أخرى كالتمثيل والغناء والعزف والكتابة الاحترافية للتلفزيون، إذ لا يمكن لك أن تشترط على من حولك أن يعيشوا داخل بوتقة الدين وحده، وأن تحدد لهم مستقبلهم من وجهة نظرك المتطرفة، لأنك ستحول الشباب لقنابل قابلة للانفجار في أي وقت، ونحن لسنا بحاجة لمتشددين نحو نزعتهم الطائفية، وإنما بحاجة إلى جيل يعي بشكل حر أن اختلافه عن الآخر في المذهب، لا يعني أنه يعيش ليسبب شكلا من أشكال التهديد على حياة الآخرين، الخطأ الذي لا يغتفر من القتلة الموجودين هنا وفي أميركا وفي الصومال والعراق، اعتقادهم بأنهم جاؤوا ليطهروا الأرض من أخطاء غيرهم، غير مؤمنين بأنهم على خطأ أصلا، والأكثر حزناً أنهم غير مؤمنين بأنهم هم أيضاً يستحقون الحياة!!
الآن، الخيبة المفجعة أنك تفرح لأن جارك الذي يختلف عن مذهبك يدعوك لتناول الطعام، البعض يفتخر بأن لديه صديقا شيعيا أو إسماعيليا أو من أي طائفة أخرى، كيف يمكن لك أن تصدق، أنك تقف في وسط أصدقائك لتقول لهم بكل فخر «هل تتخيلون صديقي من الطائفة الفلانية، وبالمناسبة هو رجل صالح أو أخت صالحة»؟ لماذا هذا الافتتان بالذات؟ لماذا هذا الغرور الفاحش بالنفس؟ 
لقد تجاوزنا بشكل غريب حد كل المفاهيم الأخلاقية، لأننا فقط نلقي السلام على ذاك لأنه من طائفة أو مذهب مختلف. إننا طيبون مع الكل ومتسامحون جدا، إننا تافهون للغاية ومغيبون بلا شك. الأساس في جميع العقائد الدينية هو قبول الآخر مهما كان لونه أو شكل عينيه أو لأنه قبيلي أو صلبي.