سمير عطا الله

تزول الإمبراطوريات وتنتهي الإمبراطوريات عندما تصاب بالغرور، وتتوقف عن التعلّم. أيام روما، لم يكن يخيل إلى أحد أن روما سوف تزول كإمبراطورية. وما كان أحد يتخيَّل أيام الحضارة اليونانية أن أثينا سوف تتحول إلى مدينة ثانوية على خريطة العالم. وبريطانيا التي طاردت مغيب الشمس حول الأرض، لم تكن تتخيل أنها سوف تُصبح دولة في كنف مستعمرتها السابقة، الولايات المتحدة.
لم يكن هناك شيء اسمه الولايات المتحدة، بل ولدت من لا شيء، من مجموعات حضارات وثورات صناعية وهويات مختلفة. استوعبتها وصهرتها وتحولت بها إلى أهم دولة في العالم. سلاح الألمان وفكر البريطانيين وآداب فرنسا وفنون إيطاليا ومهاجرو أوروبا الشرقية ومواهب المهاجرين الآخرين، وإذا هي تملك «النازا» من جهة، وهوليوود من جهة أخرى. لم تتوقف لحظة عند أن الذي اخترع لها القنبلة الذرِّية ألماني، ما دامت القنبلة حسمت الحرب لحسابها. والذين أسسوا أهم مرحلة في تاريخ هوليوود كانوا جميعاً يرطنون باللغة الإنجليزية. وأشهر وجوهها كانت من بريطانيا، أو ألمانيا، أو حتى السويد.
كانت إسبانيا تنظر إلى مرحلة الأندلس في نكران وعداء. ثم تنبهت إلى أن من الأفضل لها أن تفاخر بها كجزء من تاريخها، وأن تعتبر أعلامها إسبانيين، لا عرباً تعاديهم. عباقرة العلم والفن والأدب لا هويات محلية لهم. إنهم ينتسبون إلى الحضن أكثر من الرحم. وقلّة يهمهم التوقف عند أن جوزيف كونراد بولندي، واسمه الأصلي كورزينفوسكي. لكن الجميع يعرفون أن كبار كتّاب الغرب تأثروا به، من وليام فوكنر إلى سكوت فيتزجيرالد، إلى همنغواي، إلى أندريه مالرو، إلى جورج أورويل، إلى غابرييل غارسيا ماركيز، إلى آخره.
الثقافات تثري بعضها بعضاً. العلوم تثري بعضها بعضاً. الأفكار تثري بعضها بعضا. فقط الحضارات الضعيفة تخاف التعلم والانفتاح. وفي النهاية، يؤدي انغلاقها إلى رطوبة مضرّة. تفوَّق الأميركيون على السوفيات لأنهم سبقوهم إلى العلماء الألمان. وأخذ الأميركيون من أساليب الدعاية الهتلرية درساً. فحولوها إلى عمل تجاري مقبول بعدما كانت عملاً سياسيا منبوذاً.
والخيار دائماً بين أمرين: إما أن تُرسل ميكانيكيا إلى عنق نجيب محفوظ، وإما أن تمنحه نوبل، وتحوِّله من روائي مصري كبير إلى روائي عالمي كبير..