الياس حرفوش
بين مانشستر البريطانية والمنيا المصرية خيط جرمي يتصل بتنظيم «داعش» وبالإرهاب القادم الى المنطقتين من ذيول الثورة الليبية على معمر القذافي. عقيد ليبيا كان يصف معارضيه بـ «الكلاب الضالة»، وكان يلاحقهم وصولاً الى أوروبا، التي لجأت الى عدد من بلدانها جاليات ليبية كبيرة، ومن بين هذه البلدان بريطانيا، التي يعيش فيها ما لا يقل عن 30 ألف ليبي.
حكومات بريطانيا عارضت نظام القذافي لعقود بحجة قمعه معارضيه وحرمانه الليبيين من نعم الديموقراطية. والجيش البريطاني وأجهزة الاستخبارات لاحقت هذا النظام وصولاً الى مشاركتها في إسقاطه عام 2011. وفي هذا الوقت وفرت بريطانيا ملاذاً لليبيين الذين كانوا معارضين للقذافي والذين لجأوا اليها هرباً من ملاحقته لهم. أحد هؤلاء كان رمضان عبيدي والد سلمان، سفاح مانشستر، وسائر أفراد عائلته. وها هي بريطانيا تدفع اليوم ثمن الترحيب بهذه العائلة، مقتل 22 من شبانها وجرح عشرات آخرين. رمضان عبيدي انغمس في قتال القذافي، ولكن من باب التطرف واعتناق الأفكار التكفيرية، بعد أن انضم الى «الجماعة الإسلامية المقاتلة» التي كانت لها ارتباطات بتنظيم «القاعدة» في أفغانستان أيام أسامة بن لادن، وتم تصنيفها كجماعة إرهابية بعد هجمات 11 أيلول (سبتمبر).
صار طريق التطرف بديلاً من طريق الديموقراطية. ومات خيار الدولة المدنية التي كان يمكن أن تقوم على أنقاض نظام القذافي. وتحول بعض الأراضي الليبية الى مأوى للإرهاب يصدّر المتطرفين الى كل مكان. الى تجمعات الأقباط وكنائسهم، لا لسبب سوى أنهم من دين مختلف، ولأن النظام المصري الذي يعيشون في ظله يحارب تنظيم «داعش». والى حفل غنائي لشبان صغار السن في مدينة بريطانية، لا لسبب سوى أنهم قادرون على ممارسة الفرح والاستمتاع بالموسيقى.
لم يعد مستبعداً أن نسمع المسؤولين عن أجهزة الأمن الغربية يتحسرون على نظام القذافي بعد أن صارت ليبيا مصنعاً لتفريخ الإرهابيين، اذ تشير التقارير الأمنية الى أن ما لا يقل عن 3 آلاف من قادة «داعش» و «القاعدة» وعناصرهما موجودون في ليبيا، التي تحولت الى موقع خلفي احتياطي للتنظيمات الإرهابية بعد هزيمتها المأمولة في كل من سورية والعراق. كما أن معظم الهجمات الإرهابية التي شنها «داعش» في دول الجوار جاء من ليبيا. في الهجوم على محطة أميناس الجزائرية للغاز سنة 2013، دخل الإرهابيون من ليبيا. في مجزرة شاطئ سوسة التونسي، تدرّب الإرهابي سيف الدين رزقي في إحدى قواعد «داعش» قرب صبراطة. أما الرجلان اللذان أطلقا النار على السياح في متحف باردو فقد جاءا من معسكر التدريب نفسه.
والآن تصل ذيول هذا الإرهاب الى أوروبا، على مسافة لا تتجاوز 400 كلم عن الشواطئ الليبية. بحيث صار يبدو أن التحذير الذي أطلقه سيف الإسلام القذافي من وصول الإرهابيين الى المدن الأوروبية اذا تم إسقاط نظام والده أخذ يتحقق، وتتحقق معه المفارقة الفظيعة، أن الغرب والعالم ربما كانا أكثر أماناً مع أنظمة الشرق الأوسط التي أسقطتها الثورات، حيث إن أي محاولة لإخراج مارد الديموقراطية من القمقم المقفل، ما عادت تنتج في منطقتنا سوى السلفية والتطرف على ما نشهد اليوم.
إنها النتيجة الطبيعية لمجتمعات مغلقة لعقود، لم تعرف سبيلاً الى احترام التعددية والقبول بالآخر على ما هو عليه، ديناً ولوناً وفكراً وعقيدة سياسية. المتاح الوحيد أمام الآخر المختلف في مجتمعات العرب هو القتل، كما يكتشف الأقباط في مصر شهراً بعد شهر وكنيسة بعد كنيسة، وكما اكتشف أطفال الحفل الغنائي في مانشستر الذين قدم الإرهاب من ليبيا ومخلفات نظام القذافي الى عقر دارهم.
هذا الإرهاب الذي دفع ثمنه أطفال مانشستر، وأقباط المنيا، لا لذنب ارتكبوه، سوى أن قبضة القذافي رُفعت عن رقاب الليبيين، من أمثال مجرم مانشستر سلمان عبيدي وعائلته.
التعليقات