سلمان الدوسري

لا توجد دول في العالم صبرت وتحمّلت جارتها وشقيقتها، كما صبرت السعودية والبحرين والإمارات على أذية السياسة القطرية، 21 عاماً والسياسة القطرية تضرب بكل مفاهيم الأسرة الخليجية ومبادئ الجوار المشترك عرض الحائط، 21 عاماً والنتائج لسياسات قطر تزداد سوءاً عاماً بعد الآخر، 21 عاما والصبر الخليجي فُهم لدى القيادة القطرية على أنه ضعف وليس حكمة ورغبة في عدم خسارة الشقيق. كثيراً ما استنفرت الدول الثلاث جهودها سياسيا ودبلوماسيا لكن دون استجابة حقيقية من الطرف الآخر، وآخر المحاولات سحب السفراء في 2014 بعد أن تعهدت قطر ووافقت على اتفاق الرياض بحضور أميرها بالتوقف عن سياساتها المضرة لشقيقاتها، غير أنها وكالعادة لم تنفذ أياً منها، قبل أن تصبح التدخلات في الشؤون الداخلية، وبث روح الفوضى وزعزعة الاستقرار أكثر من القدرة على الصبر والانتظار، فكانت عاصفة قطع العلاقات الدبلوماسية من 6 دول، حتى الآن، لإعادة الدوحة عن سياساتها الكارثية، وعزلة غير مسبوقة لم تعشها شبه الجزيرة القطرية.
لم تكن المفاجأة في قطع العلاقات الدبلوماسية كحل مؤلم وقاسٍ، وفي نفس الوقت شرّ لا بد منه، المفاجأة الحقيقية في تحمل الدول الخليجية لأضرار السياسة القطرية الخارجية عقدين من الزمن، الدوحة استغلت سلباً الرغبة السعودية، على وجه التحديد، في احتواء وعدم خسارة الشقيق الصغير، ناورت وراوغت وخدعت حتى لم يبقَ حبل من حبال السياسة والأخوة لم تقطعه ثم تآمرت. خذ لديك هذه الفقرة من البيان السعودي بعد قطع العلاقات «اتخذت المملكة العربية السعودية قرارها الحاسم هذا نتيجة للانتهاكات الجسيمة التي تمارسها السلطات في الدوحة، سراً وعلناً، طوال السنوات الماضية بهدف شق الصف الداخلي السعودي، والتحريض للخروج على الدولة، والمساس بسيادتها، واحتضان جماعات إرهابية وطائفية متعددة تستهدف ضرب الاستقرار في المنطقة»، يا لهول ما قامت به الدوحة، ويا لصبر الرياض على استعداء جارتها الصغرى، لو فعلتها إيران لما وجد لها أحد مبررا لهذه العدائية، ومع ذلك من فعلها هو قطر. لتتذكر قطر أن شقيقتها الكبرى لم تتدخل في شؤون شقيقتها الصغرى وهي تستطيع ذلك بسهولة، فكيف يتم معاكسة المنطق وتفعل الصغرى ذلك؟!
يبقى السؤال: هل يمكن أن ترجع قطر للبيت الخليجي؟ في ظني هذه المرة ليس أمامها إلا طريق من اتجاه واحد، بينما الطرق الأخرى مغلقة وبلا عودة، بالطبع العودة الحقيقية الصادقة مرهونة بتغيير ليس فقط بالسياسات فهذا ممكن، لكنه بالتأكيد مؤقت، التغيير الفعلي والمطلوب هو للفكرة السياسية التي قامت عليها الدوحة، والقاضية بأن تكون أهم دولة في العالم في ضرب لأبجديات الجغرافيا السياسية، هذه الاستراتيجية هي التي دفعت بقطر لاحتضان ومهادنة جماعات إرهابية مثل جماعة (الإخوان المسلمين) و(داعش) و(القاعدة)، وهي التي ساهمت في ترويجها لأدبيات ومخططات هذه الجماعات، وهي التي جعلتها تمارس انتهاكات جسيمة لشقيقاتها وتمس بسيادتها، وفي ظني كل هذه السياسات ستنتهي عاجلاً أم آجلاً، ولن تتمكن قطر من معاكسة المنطق والعقل طويلاً، فقرارات قطع العلاقات وإغلاق الحدود البرية والمجال الجوي ستكون كافية، لأن تعرف قطر أنه لا غنى لدولة عن محيطها أبداً، كما ستعرف أن هناك ضريبة عالية جداً لا تستطيع دفعها متى ما أرادت أن تتلاعب بالتاريخ والجغرافيا.
ليت الشقيقة قطر تتعلم هذه المرة الدرس جيداً: فالمال لا يشتري الجغرافيا ولا التاريخ، والطموحات تدخل من الأبواب وليس من الثقوب الصغيرة، والدول تستطيع أن تتلاعب قليلاً وتناقض كثيراً، لكنها لا تصمد طويلاً أمام الحقائق والوقائع، فلا يمكن لدولة أن تعيش في معزل عن جيرانها ومحيطها. صحيح أن قطع العلاقات الأشد إيلاماً للدوحة على مر تاريخها، لكنها فرصة لتستفيق وتعود لرشدها وتغير استراتيجيتها السياسية، ولو فعلتها الدوحة غداً فإن الصدور قبل الحدود ستكون مفتوحة بانتظار عودتها.. . .