محمد علي فرحات
تهدد الولايات المتحدة بضربة قوية للنظام السوري إذا نفّذ غارات بالكيماوي تقول إنها لمست استعداده لها من طريق استخباراتها. هذا التهديد يأتي مع اقتراب اجتماع آستانة الجديد الذي تشارك فيه معارضات مسلّحة إلى جانب ممثلي النظام برعاية روسية- تركية- إيرانية، وهناك من يتوقّع مشاركة واشنطن بصفة مراقب. هل التهديد جدّي ويهدف إلى نسف اجتماع آستانة قبل حصوله أم أنه ضغط لحفظ حصة واشنطن الراجحة في التسويات التجريبية والطويلة الأمد؟ لا بد من تفاؤل حذر أو تشاؤم حذر أمام كل قرار أو تهديد يصدره الأميركيون.
صارت سورية لعبة الآخرين لا لعبة أهلها، وهذا ما تتقبله المعارضة بعد سنوات من المعاندة والغرق في أسطورة ان الخلاص من الأسد يؤدي وحده إلى النهاية السعيدة.
يحتاج السياسي السوري غير المسلح إلى صبر الجمل وبرودة عالم الفيزياء لئلا يغرق في اليأس وينسحب من الشأن العام، فثمة خفّة في لاعبي السياسة الجدد الذين تتبدّل قناعاتهم تبعاً لمتغيرات رأي المصدر. هؤلاء مندوبو دول لا سياسيون، يعلو شأنهم أو يهبط بحسب نفوذ رعاتهم لا بتحقق آرائهم في واقع سورية ومجتمعاتها المأزومة.
قبيل اجتماع آستانة يتصاعد الخلاف التركي الأميركي حول «قوات سورية الديموقراطية» (ذات الغلبة الكردية) التي تتعهدها واشنطن محرراً وحيداً للرقة عاصمة «داعش»، ووصل الأمر بأنقرة الى التهديد باجتياح منطقة جديدة في الشمال السوري رداً على «الخدعة الأميركية». بذلك يقلب أردوغان الطاولة على المسار الذي ترسمه واشنطن لتوزيع القوى المسلحة على الأراضي السورية.
ويشجع الروس الهجمة التركية الجديدة بالتنسيق معهم وبدعم من إيران. وبذلك تتشكل الرافعة الثلاثية لمناهضة النفوذ الأميركي في سورية والمنطقة، ولا رغبة هنا في الصدام بقدر الطموح إلى الحصول من واشنطن على نفوذ ما، في الجسدين السوري والعراقي، يتيح لأنقرة وطهران الحفاظ على نظاميهما «الإسلاميين» والظهور في صورة قطبين لهما حق الشراكة في النفوذ وإمكان إزعاج من يمنع هذا «الحق».
يمارس الإيرانيون والأتراك دورين متناقضين في لعبتهما السورية، الدور الأول هو العداء، إذ تحضر طهران بـ «خبرائها» العسكريين وميليشياتها الحليفة الآتية من لبنان («حزب الله») والعراق وباكستان وأفغانستان (تحت مسميات عدة يظهر فيها اسم الجلالة)، وتتحالف مع جيش النظام وجماعاته المسلحة الرديفة، مشكّلة الجبهة الأساس في الصراع العسكري مع المعارضة المسلّحة بشقيها، المعتدل (الذي يتراجع عدة وعدداً)، والمتطرف الوارد اسمه في لوائح الإرهاب الدولية («داعش» و «القاعدة» بمسمّياتها المختلفة). وخارج ميادين القتال تواجه طهران المعارضة السياسية السورية التي ترى في الإيرانيين معرقلاً لتحول سورية إلى وطن قائم على الديموقراطية ودولة القانون والمساواة بين الأفراد والجماعات. في المقابل تحضر أنقرة بجيشها وبالمعارضة المسلّحة التي تدعمها («الجيش الحر» بالدرجة الأولى) في صورة عدو لإيران وتتبادلان إطلاق النار بالواسطة.
الدور الثاني لممارسات طهران وأنقرة هو التحالف السياسي مع الروس في سورية، وبذلك تمهّدان لشغل مقعديهما في نادي توزيع الحصص السياسية والاقتصادية في سورية والعراق، سواء بقي كل من البلدين موحّداً أم جرى تقسيمه تحت عناوين سياسية مخادعة.
يتعاون التركي والإيراني هذه الأيام ضد أكراد سورية، أصدقاء واشنطن، وتنفرد طهران في مواجهة سلطة كردستان العراق الداعية إلى استفتاء على استقلال الإقليم، وربما تشاركها أنقرة ولا تعلن حفاظاً على العلاقة الحسنة بين رجب طيب أردوغان ومسعود بارزاني.
وإذا سمح الأميركي بعقد اجتماع آستانة الجديد، فسوف يبدأ السوريون خطواتهم الأولى في المسار المعدّ سلفاً لدولة يتحرك مواطنوها بحرية في حين تمنع حكومتهم (النظام) من تحرُّك مماثل. سورية التي تسير نحو فيديرالية موسّعة جداً، يتدرّب سياسيوها المستقبليون على تفهُّم مشروع الدستور التعدُّدي، وتُعقد لذلك لقاءات نقاش في الأردن وسويسرا يرشح أن تمتد إلى حيث يوجد سوريون، وصولاً إلى من تبقّى منهم على أرضهم المحروقة.
التعليقات