عبدالله بن بخيت

انطلقت الدراما السعودية مع بداية بث التلفزيون في المملكة. كان ذلك في الستينيات الميلادية من القرن الماضي. المملكة رائدة في هذا الأمر. ربما سبقتنا مصر والعراق بسنة أو سنتين. عندما تلتفت إلى المنتج التلفزيوني لن تجد شيئا يسرك. علاقة المنتج السعودي التلفزيوني الدرامي بالفن كعلاقة الشيلات بالموسيقى ناهيك عن ضآلة الكمية.

التلفزيون السعودي يدور في حلقة مفرغة منذ تأسيسه. الأعمال التي ينتجها مازالت عند مستوى ما كان ينتج قبل خمسين سنة. آليات العمل على الدراما (التعميد والرقابة وغيرها) هي نفسها. هذا يعطيك الإحساس أن من أجاز (فنيا) مسلسل (فرج الله يا فرج الله) قبل خمسين سنة هو نفسه من يجيز الأعمال الدرامية اليوم، أو أن هناك جينات إدارية تتوارث.

الفنون الحديثة تبدأها الشعوب بعفوية وبمبادرات فردية ولكنها لا تتطور أبدا إلا إذا تم منهجتها ووضعت ضمن الخطط الاستراتيجية للبلاد ككل. الدراما التلفزيونية والسينما والمسرح والموسيقى لا تنمو بخبط عشواء. الجزء الأكبر منها لا يقوم على الموهبة أصلا. تنطوي هذه الفنون على تقنيات وقدرات وتجارب ورعاية ورؤوس أموال استثمارية. معاهد ومدارس فنون وجامعات وميزانيات حكومية ضخمة. إنتاج ممثلين ومخرجين ومنتجين لا يقل أهمية وصعوبة عن إنتاج مهندسين وأطباء. لا يمكن ان نحصل على أطباء يتخرجون بجهودهم الشخصية إلا إذا كنا لا نميز حتى الآن بين الأطباء والرقاة.

المملكة دولة محورية وأساسية قدرها قيادة المنطقة. لا يمكن أن نقود الآخرين بجريدة أو جريدتين دوليتين ومحطة تلفزيونية وكتاب جرائد ومسلسلات تنطفئ قيمتها مع رؤية هلال شوال مهما صرفنا من ملايين.

الإنسان أولا. الإنسان هو الذي يقنع الإنسان. جميعنا نتحدث اللهجة المصرية ونعرف تفاصيل الهموم المصرية وننتظر النكتة المصرية ونسافر إلى مصر رغم ضعف البنية التحتية وكثير من العرب مازال يؤمن أن مصر قائدة الأمة العربية رغم كل انسحاباتها من الهموم العربية. الدراما والسينما والرواية والفنون هي مصر التي تسافر في قلوب العرب. لا يوجد جريدة مصرية واحدة توزع اليوم خارج مصر ولا أظن أن أحدا ينصت للإذاعة المصرية الرسمية أو ينصت للإعلاميين المصرين الذي يملؤون شاشات التلفزيون. تتقدم مصر وتتراجع في ضمير العرب بحجم تقدم وتراجع الفنون فيها. في السبعينات سيطرت الكويت على شعوب الخليج. لم تكن الكويت تملك في ذلك الحين قناة فضائية، وإنما كانت تصدر درب الزلق والأقدار وعلى هامان يا فرعون وباي باي لندن الخ. أسست (الحكومة) الكويتية معهدا للفنون في الستينيات. تخرج منه مسرحيون ومخرجون وممثلون وكتاب سيناريو الخ. سيطرت الدراما السورية في التسعينيات بنفس الطريقة. بمسلسلين أو ثلاثة صارت تركيا من أهم الوجهات السياحية.

الفن أولا يا معالي الوزير وما عداه يتبعه..