سمير عطا الله

 غاب عمر الشريف قبل عامين، في يوليو (تموز) 2015. وكان متوقعاً أن تودعه الزوايا والأعمدة بما يستحق. واخترت زاوية النقد للنجم العالمي؛ ليس من باب «خالف تُعرف»، فهذا ليس بابي، ولكن لاعتقادي أن الأكثر حزناً في أشهر ممثل مصري في العالم لم يكن غيابه، بل كان جزءاً كبيراً من حياته. وقد تعرضتُ للنقد، في البريد وعلى شبكات التواصل، والأرجح من معجبين لم يتسنَ لهم مرافقة حياة عمر عن قرب.

لم أعرف عمر إلاّ معرفة عابرة، من خلال رجل أعمال عربي كان صديقاً له، غير أنني كنت ألتقيه في مناسبات، وفي مجتمعات عدة. ففي تلك الفترة (السبعينات - الثمانينات)، كانت باريس تفيض بالعرب، بسبب حرب بيروت وعزل القاهرة. وأصبح عمر جزءاً من الجالية الجديدة في مقره القديم.
قلائل جداً في عصور الشاشة من كان له حظ عمر. فالممثلون، في الغالب، يتدرجون عدة سنوات قبل الوصول إلى دور الفتى الأول، ويمضون سنوات في معاهد التمثيل يتعلمون أصول الأداء. لكن عمر وقف في فيلمه المصري الأول أمام سيدة الشاشة، فاتن حمامة. وفي فيلمه الغربي الأول، لعب دور الشريف علي في فيلم «لورانس العرب»، إلى جانب بيتر أوتول، وبإخراج الأسطوري ديفيد لين. ومن ثم، سار الدرب في صعود لم يعرفه ممثل غير غربي من قبل. ولعب أدوار البطولة في أفلام مذهلة النجاح، مثل «دكتور جيفاغو»، للروائي الروسي بوريس باسترناك، حائز نوبل الآداب. أعطي عمر دور الروسي واليوغوسلافي والألماني والفرنسي، دون تردد. ووقفت من أجله الطوابير أمام دور السينما في أنحاء العالم. وهجر الحبيبة الأولى فاتن، تتخاطفه نجمات أميركا وأوروبا. ونسي في عزه مصر، أو خجل منها، وشعر حيالها وحيال فاتن بالذنب.
كل ذلك، في دنيا السينما وعالمها، كان مألوفاً. لكن الرجل الذي خدمه حُسن الحظ في السينما، كما لم يخدم أحداً، وقف عدواً له في الحياة. أصيب عمر بمرض القمار الكاسر، وصار يعيش حياته ما بين الكازينو وسباق الخيل. وبسبب خسائره، أصبح يقبل أي دور سينمائي يُعرض عليه. وبعض تلك الأدوار والأفلام كان درجة عاشرة. وراح عمر يفقد بريقه على نحو محزن، ولم يعد يُعرف كنجم عالمي، بل كمقامر يثير الاستهجان والشفقة. وكان يعيش في فندق، من دون أي حياة اجتماعية أو أهلية. وعاد الرجل المتعب، في سنواته الأخيرة، إلى مصر يتعزى بذكريات الماضي ورفقة بعض الأصدقاء.
إلى اللقاء..