جبريل العبيدي

 لزعزعة الاستقرار في أفريقيا لم يجد النظام القطري أفضل من ليبيا بعد فبراير (شباط) 2011 منطلقا له، وخاصة بعد حالة الفوضى والميليشيات التي تشهدها ليبيا والتي تعتبر قطر صنيعتها، فالنظام القطري استغل فرصة إسقاط نظام القذافي لإسقاط الدولة الليبية كلها،

ولم يكن هدفه مثل هدف الثوار الليبيين، وهو التخلص من نظام ديكتاتوري شمولي قمعي في ليبيا، بل كانت مصلحته الظاهرة مثلهم، ولكن من دون مشاركتهم في بناء دولة وطنية مدنية، فمشروعه تعدى ذلك إلى إسقاط الدولة الليبية بجميع مؤسساتها وعلى رأسها الجيش والشرطة، لتعم فوضى هذه الميليشيات الإرهابية التي خلقتها، وتتمكن بها ومن خلالها من التسلل إلى أفريقيا، فجند بعض العملاء له خاصة من جماعات الإسلام السياسي، لتحقيق غايته ولو من خلال عباءة دعم «الثورة» الليبية.

النظام القطري وحكام قطر ما انفكوا عن ممارسة تصدير الأزمات وزعزعة الاستقرار في المنطقة العربية، بل معظم المناطق في العالم، ولعل ما كشفت عنه جمهورية تشاد من تدخل قطري في الشأن الداخلي فيها، عبر دعم ميليشيات المعارضة التشادية بالتدريب والتمويل والسلاح عبر الأراضي الليبية، حتى طالت أضرار ما صنعته قطر في الأراضي الليبية دول الجوار الليبي، ومنها تشاد التي ترتبط بليبيا بحدود جغرافية وتقاطع سكاني طويل عبر شريط أوزو الحدودي المتنازع عليه في الأصل بين ليبيا وتشاد، وشهد حروباً طويلة قبل ثلاثين عاما، حول السيادة عليه، ولكن ما إن أصبح الضرر القطري يهدد الأمن القومي التشادي، مارست تشاد حقها في الدفاع عن أمنها القومي ولو بطرد السفير والبعثة القطرية.

التدخل القطري في تشاد كان عبر تحالف ميليشيات المعارضة التشادية، سواء المتحصنة في جبال تبيستي الحدودية مع ليبيا، أو الهاربة والمتسللة عبر شريط أوزو إلى الصحراء الليبية الكبرى، حيث تربطها علاقات مع ميليشيات الجماعة الليبية المقاتلة وما يسمى سرايا الدفاع عن بنغازي، التي تضم جماعات من الفارين والهاربين والملاحقين جنائياً بجرائم قتل وسرقة، ومما يؤكد تورط قطر هو اعترافات لأسرى بثها التلفزيون التشادي الرسمي عن مشاركة المعارضة التشادية، إلى جانب سرايا «الدفاع عن بنغازي» التي تمولها قطر عسكرياً عبر جسر جوي بين الدوحة ومطارات الجفرة ومعيتيقة الليبية.

المعارضة التشادية التي يتخذ قادتها من الدوحة محجاً لهم، كانت دائمة المطالبة بحضور قطر ضامناً في أي اتفاق سياسي مع الحكومة التشادية الشرعية برئاسة الرئيس إدريس دبي، بل وحتى عما يتردد من دعم الدوحة لميليشيات «بوكو حرام» في مالي والنيجر.

التدخل القطري في تشاد وإن قابلته في البداية حكومة تشاد بسياسة النفس الطويل إلى أن بلغ السيل الزبى، فجاء قرار حكومة تشاد غلق السفارة القطرية وطرد السفير من انجامينا الذي كان نتيجة طبيعية لحزمة من الانتهاكات والتدخلات القطرية بانتهاك السيدة التشادية.

ليبيا التي تتوسط القارة الأفريقية بساحل طويل يبلغ ألفي كلم، وتتشارك مع 6 دول أفريقية في حدود طويلة وتنتشر بها أكثر من 30 مليون قطعة سلاح من بقايا ترسانة الجيش الليبي، التي تطال بعضها طائرات الناتو، مما جعلها عرضة للنهب والتخزين من قبل جماعات كانت تنتظر هذه اللحظة، ما جعل النظام القطري يتخذ ليبيا منطلقا له لزعزعة الاستقرار الأفريقي، ودفع الجيش الليبي إلى اتهام قطر رسمياً بدعم الإرهاب داخل أراضيه وتصديره خارجها، وأكد الجيش الليبي أنه يمتلك أدلة ووثائق ومستندات، بل واعترافات لأسرى تؤكد جميعها الدعم القطري للجماعات الإرهابية في ليبيا.

قطر لم تقف عند تشاد في تصدير الإرهاب، بل تمددت كما «داعش» إلى القرن الأفريقي، ودعمت جماعات صومالية متشددة وزودتها بالمال والسلاح، كما نشرت مؤسسة «دعم الديمقراطية» الأميركية أن «حركة الشباب» الصومالية المتطرفة، تلقت تمويلاً من رجل الأعمال القطري المطلوب دولياً عبد الرحمن النعيمي، بالإضافة لوجود علاقات مشبوهة تربط بين النعيمي وزعيم الحركة حسن عويس.

النظام القطري، عبر شبكات من الجماعات الإرهابية، قام بدعم وتمويل ميليشيات الأزواد الانفصالية في مالي، ودفع الأموال والسلاح للمتشددين المرتبطين بـ«القاعدة» وبجماعة الموقعين بالدم التي يتزعمها الإرهابي مختار بن مختار.

النظام القطري كان معول هدم في القارة الأفريقية بشكل واضح، وكأنه كان يلعب دورا بالوكالة لقوى عظمى تتخفى خلفه، وخاصة أن الأدلة والوثائق والشهود والأحداث تثبت تورط النظام القطري في تمويل الإرهاب، في حين نجد حالة من التراخي لدى بعض الدول العظمى في اتخاذ إجراءات حازمة وواضحة ضد هذا العبث القطري، بل نراها تمارس بعضاً من سياسة ضبط النفس، مما يدفع نحو الشكوك في نيات تلك القوى تجاه الدور القطري في تمويل الإرهاب ونشر الفوضى في العالم.