أحمد عبد التواب

دخل العراق، وأدخل معه الإقليم كله، فى مرحلة جديدة محفوفة بالمخاطر مع الاستفتاء على استقلال كردستان. وعلينا أن نُسلِّم بأنه قد صار هنالك واقع مختلف جديد فى طور التشكل سوف يجرف من لم يحصِّن نفسه من التبعات. ولم يعد هنالك ترف لتبديد وقت وطاقة فى مناقشات قديمة لا تضع فى اعتبارها الوقائع المادية على الأرض، ولا التاريخ الطويل المضطرب للقضية، ولا الأخطاء التاريخية التى وقعت فيها النظم الاستبدادية المتعاقبة فى بغداد، ولا الأحلام الجامحة للشعب الكردى غير المسئول عن ألاعيب قادته، ولا أن مشروع الانفصال مدعوم من قوى عالمية. كما لم يعد من المفيد عملياً التركيز على الجوانب الأخلاقية، مثل سوء نيات الأكراد فى الانفصال، وإدانة تعاونهم مع إسرائيل، والمؤامرة الشريرة لضرب وحدة العراق..إلخ. 

أكثر المتضررين من الانفصال، بعد العراق، هما تركيا وإيران، وبهما أكراد يُقدِّر البعض أعدادَهم بنحو 4 أمثال أكراد العراق، والدولتان تعلمان يقيناً أنه مهما تكن وعود قيادات أكراد العراق عن سعيهم لاستقرار الإقليم بعد استقلالهم عن العراق، فإن الواقع الجديد سوف يصير له قصور ذاتى أقوى كثيراً من وعود القيادات حتى إذا سعوا للالتزام بها. كما أن الأكراد، فى تركيا وإيران، على أراضٍ متاخمة لإخوانهم فى كردستان العراق، وأنه من المستحيل على أقوى القوى فى العالم أن تتنبأ بالدقة كيف ستكون مسارات الأمور، وماذا سوف يحدث ومتى فى المستقبل القريب. 

وأما حكومة بغداد فهى حقا فى مأزق كبير، بعد أن صارت كل البدائل أمامها فى غير صالحها، بل إن اللجوء إلى أى إجراء سوف يضعها فى موقف أصعب! إذا تدخلت بالقوة، فهذا قهر لأقلية عبَّرت عن رأيها بالرغبة فى الاستقلال فى استفتاء على مرأى من العالم، وبما سوف يكون لهذا التدخل من مزيد من نزيف الدماء الذى صار يشكل أساطير نضال فى ثقافة الأكرد عبر قرون. وأما إذا أذعنت لما يحدث، فهذه بداية انشطارات قد يكون لها امتداداتها. 

كانت دولة داعش وهمية، أما كردستان فأمرها مختلف!