هاني الظاهري
بات من الواضح أن حكاية اعتقال القس الأمريكي أندرو برونسون في تركيا والتي تسببت في تأزم العلاقات بين أنقرة وواشنطن أخيراً أعمق بكثير مما هو معلن، بل وتنطوي على أسرار متعلقة بدعم حكومة تركيا للنظام الإيراني في مقاومة العقوبات الدولية عبر عمليات بنكية تركية ضخمة لغسل مليارات الدولارت لصالح أنشطة طهران، ما يعني أن تهمة الجاسوسية التي تم إلصاقها بالقس الأمريكي قد تكون في الأساس مجرد خطوة لابتزاز البيت الأبيض بهدف إيقاف التحقيق في عمليات بنك خلق التركي كما كشفت وسائل إعلام أمريكية أخيراً.
صحيفة «وول ستريت جورنال» تناولت المسألة في تقرير مثير، إذ أكدت أن تركيا تقدمت بعرض سري للإدارة الأمريكية في الثامن من أغسطس الحالي لتسوية ملف القس المحتجز في السجون التركية منذ شهر أكتوبر عام 2016، لكن واشنطن رفضت ذلك العرض رفضاً قاطعاً.
الصفقة السرية التركية، بحسب الصحيفة، تتلخص في إفراج تركيا عن القس برونسون فوراً لقاء وقف ملاحقة بنك «خلق» التركي قضائياً في الولايات المتحدة وهو البنك المهدد بغرامات بمليارات الدولارات بتهمة مساعدة إيران على تجنب العقوبات الأمريكية، ما دعا واشنطن لأن تعلن أنها لن تبحث هذه المسألة أو أي مسائل أخرى موضع خلاف بين الجانبين قبل إطلاق القس.
كما نقلت الصحيفة عن مسؤول كبير في البيت الأبيض لم تذكر اسمه، أن «حليفاً حقيقياً في حلف شمال الأطلسي، ما كان سيوقف برونسون من الأساس».
هذه الصفقة المثيرة تتناقض تناقضاً صارخاً مع كل خطب وتصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أكد أكثر من مرة بتحدٍ واضح أن حكومة بلاده قادرة على مواجهة أمريكا اقتصاديا بل وإلحاق الأذى بها عبر مقاطعة منتجاتها، كما أكد أن الحكومة التركية لا تتدخل في القضاء، ملمحا إلى أن هناك حربا اقتصادية/ دينية تستهدف تركيا، بل إنه قال أمس الأول في خطاب بثه التلفزيون التركي الرسمي ما نصه: «الهجوم على اقتصادنا لا يختلف البتة عن الهجوم على الأذان للصلاة». وتابع: «من يعتقدون أنهم سيجعلون تركيا تخضع من خلال سعرالصرف سيدركون قريبا أنهم مخطئون»، قال كل ذلك دون أن يشير من قريب أو بعيد لتفاصيل الصفقة التي تقدمت بها حكومته لواشنطن في الظلام.
هناك سؤال مهم لن تجيب عنه الحكومة التركية الآن، لكنها ستضطر للإجابة عنه في المستقبل مهما تجاهلته، وهو: ما مصلحة تركيا من دعم أنشطة طهران ومساعدة نظامها الإرهابي في مواجهة العقوبات الدولية؟ هل هو مجرد طمع في المال السريع الناتج عن عملية غسل الأموال؟ أم تقاطع المشروعين السياسيين لأنقرة وطهران في المنطقة؟
الإجابة معروفة بالطبع لكل متابع للخطاب السياسي التركي خلال الأعوام القليلة الماضية، لكن الجيد حاليا أن كلا المشروعين في حالة انهيار دراماتيكي ويبحثان عن قشة إنقاذ لا وجود لها.
التعليقات