&أحمد الساسي&&

&

لقاءات "غير قابلة للفهم" تلك التي دشنها، بحر هذا الأسبوع، هورست كولر، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لمنطقة الصحراء، بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، حيث عقد الرئيس الألماني الأسبق عددا من اللقاءات الماراطونية مع مجموعة من الشخصيات السياسية والدبلوماسية وحتى الحكومية، مختلفة المسؤوليات ومتنوعة الجنسيات والمشارب.

فبعد اللقاء الذي جمعه بكل من عبد القادر مساهل وإسماعيل ولد الشيخ، وزيري خارجية الجزائر وموريتانيا على التوالي، بادر الوسيط الأممي، رفقة كبير مستشاريه ديفيد شفاك وبعض معاونيه من إدارة الشؤون السياسية بالأمانة العامة للأمم المتحدة، إلى عقد لقاء طويل مع وفد يمثل منظمة جبهة البوليساريو، يضم إلى جانب امحمد خداد منسقها مع بعثة المينورسو، كلا من محمد سالم ولد السالك، "وزير خارجية البوليساريو"، وسيدي محمد عمار، ممثلها لدى مجلس الأمن الدولي، تباحث خلاله الجانبان سبل إطلاق جولة جديدة من المفاوضات قبل نهاية السنة الحالية، ومناقشة جهود المبعوث الأممي لإحياء مسلسل التسوية، وخططه المستقبلية لجمع جميع الأطراف حول طاولة الحوار الواحدة.

لقاء ثلاثي طرح عددا من علامات الاستفهام حول موقف المملكة المغربية من تحركات الوسيط الأممي الأخيرة، خاصة أنه لم يعلن إلى حدود كتابة هذه الأسطر عن تحديد موعد لقائه بوزير خارجية المملكة ناصر بوريطة، الذي اختار بدلا عنه رئيس الدبلوماسية المغربية عقد لقاءات مع دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، الذي تقود بلاده مجلس الأمن الدولي للشهر الجاري، بالإضافة الى اجتماعه المغلق مع أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، في محاولة منه لتحذير الطرفين المؤثرين في الملفات الدولية الشائكة من مغبة فشل مساعي المبعوث الخاص في استئناف مسلسل المفاوضات المباشرة، دون إقحام الجزائر كطرف مباشر في الصراع.

تحركات الدبلوماسية المغربية داخل ردهات مجلس الأمن الدولي بنيويورك أرقت الألماني كولر، وجعلت منه "الرجل التائه" أمام الغموض الذي بات يكتنف مستقبل مسلسل الوساطة الأممية، التي أعلن عن نية إطلاقها، مطلع غشت الماضي، أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي، باستئنافه لمفاوضات جديدة بين أطراف النزاع وما تحمله من أسرار، خاصة في ظل تأكيد المغرب على أن ليست هناك مفاوضات دون فرض الجزائر طرفا مباشرا في الصراع، ودعوتها إلى تحمل مسؤوليتها التاريخية إقليميا، باحتلالها الجزء الأكبر من حل قضية الصحراء، وبقدر تخلفها عن تبرير عدم إذعانها إلى حقيقة تدخلها كطرف مباشر في الصراع برمته.

إن استمرار الجارة الشرقية للمملكة في عنادها ضد كل المساعي الأممية المبذولة لإنهاء نزاع الصحراء ومناهضة المنطق الذي تتبناه الأمم المتحدة يؤكد بالملموس انحسار الاجتهاد في مجال القانون الدولي في حل قضية الصحراء، خاصة في ظل تمسك الجزائر بتبريرات واهية تروم تثبيت جبهة البوليساريو وجها لوجه أمام المملكة المغربية، وبأنها الوحيدة المعنية بمسلسل التسوية مع المغرب؛ في حين الوقائع التاريخية تؤكد أن الجزائر لا تترك للبوليساريو حرية الحركة ولا استقلاليتها في أخذ القرار، يقينا منها أن مجرد خروج قادة البوليساريو من قفص الإملاءات سيفقد الجزائر لا محالة أهم ورقة تتصور أن في الإمكان التلويح بها مستقبلا، من خلال الحسابات السياسية الإقليمية الضيقة.

المبعوث الأممي الجديد يعي جيدا، اليوم أكثر من أي وقت مضى، بأن الجزائر قد أحدثت منعطفات بالجملة في عدد من المواقف التاريخية، كما هو الحال في تجربة الوسيط الأممي السابق جيمس بيكر، الذي كان أكثر حماسا لفكرة الحكم الذاتي، قبل أن يتعرض لضغوطات من لدن لوبيات النفط العالمية، ويطرح صيغة مناقضة لمنطلقاته التي آمن بها طيلة توليه إدارة الملف المعقد، كما هو الحال مع المبعوث الأممي المثير للجدل، كريستوفر روس، الذي حُقّ للجزائر أن توصف بعيشها معه أهم "المحطات الذهبية" من عمر الصراع الذي تجاوز عقده الرابع.

ولعل سلب البوليساريو حقها في اتخاذ قرارها السياسي المستقل هو ما زاد من صعود أسهمها في تعاطف المجتمع الدولي نحو الأسفل، الشيء الذي أكده جاك روسيليي، الذي يعد أكبر الباحثين شهرة بمعهد الشرق الأوسط الذي يوجد مقره بالعاصمة الأمريكية واشنطن، حين قال: "إن الجزائر، على الرغم من أنها لم تتقدم بمطالب ترابية في الصحراء الغربية، فإنها تبقى مع ذلك طرفا رئيسيا معنيا بالنزاع، بسبب مصالحها الإستراتيجية الخاصة في المنطقة والقضايا الحدودية وتطلعاتها للهيمنة".

المغرب، وعلى الرغم من أخطائه الدبلوماسية الكثيرة في عمر النزاع وعدم رسم سياسييه الذين تناوبوا على إدارة الملف لخطط مناوئة للمواقف غير المعلنة للجارة الشرقية الجزائر، فإنه ظل منفتحا على جميع مبادرات السلام الأممية لإنهاء الصراع بالمنطقة، دون الأخذ بعين الاعتبار أهداف صانعي القرار السياسي بقصر المرادية المتمثلة في لعب دور "الليدر" أو المهيمن بشمال إفريقيا، عبر إضعاف محيطها الإقليمي بدءا بمشكل الصحراء جنوب المملكة وتغذية الصراع المتفاقم بليبيا وصولا إلى التوافقات السياسات الخارجية مع النظام الحاكم بالجارة الجنوبية موريتانيا.