&&حنان حجاج

&فى يوم 22 أكتوبر الحالى ومنذ خمسين عاما تماما، أعلن انتهاء أعمال إنقاذ معابد أبو سمبل، أكبر عملية هندسية وأثرية لإنقاذ أثر، كما تصفها اليونيسكو، وقبل شهر واحد من الذكرى بدأت إرهاصات المشكلة التى حذر منها الكثيرون.

المعبد بدأ يصرخ طالبا الإنقاذ ثانية، لكن هذه المرة ليس من المياه التى كادت تغمره، بل من الإهمال الذى عاناه سنوات بفعل عدم متابعة أعمال الصيانة وقياسات الرطوبة والاهتزازات الأرضية المتوقعة، فقبل أسبوعين تماما سقطت ـ حسب شهود عيان ـ قطعة من أحجار سقف المعبد الكبير ولم يعلن عنها، وعندما بدأ بعض شهود العيان فى الكلام كان رد وزارة الآثار هو النفي.

وبينما يؤكد شهود العيان الواقعة، يؤكد مدير آثار أبو سمبل أن الأمر مجرد صيانة دورية «استلزمت تغيير الحجر المذكور».

&

براميل قيا س الاهتزازات القديمة التي لا تعمل

فما بين التأكيد والإنكار، تظل الحقيقة غير واضحة، ولكن، وهو ما لا ينكره المسئولون، هو أن ألوان حوائط المعبد بهتت تماما، وأن مياه البحيرة علت أكثر مما يجب، وأن عشرات الأخطار تهدد معبد أبو سمبل.

القصة بدأت صباح يوم الأربعاء 19 سبتمبر الماضي، وبينما كان يوجد أمام مدخل المعبد عدد من الأفواج السياحية استعدادا للدخول مع أول زيارة فى السادسة والنصف صباحا، فوجئ الموجودون بصوت ارتطام شديد داخل المعبد،اتضح فيما بعد أنه لكتلة صخرية من سقف بهو الأعمدة. الصوت المدوى داخل المعبد أصاب الجميع بالذعر، وتم تأجيل دخول الأفواج الموجودة لحين استطلاع الموقف الذى تم التعامل معه بطريقة مدهشة تماما.

حسب شهادة هانى حلمي، أحد المرشدين السياحيين، الذى كان موجودا فى ساحة معبد رمسيس وتحديدا أمام البوابة، وهو من أبناء مدينة أبو سمبل، وكما يقول: «ظننا فى البداية أنه تفجير إرهابي، فالصوت كان عاليا جدا نتيجة سقوط الكتلة الصخرية على الأرضية الخشبية، وأصبنا جميعا بالذعر، ولكننى أصررت على الدخول للاطمئنان على المعبد، وبمجرد دخولى المكان فوجئت بكتلة حجرية يصل طولها لنحو 70سم وعرضها نحو 50سم وسمكها نحو 40سم، وهى التى تربط بين عامودين من الأعمدة أو ما يعرف بـ«بهو الأعمدة»، وقد سقطت على الأرض، بينما الموظفون والعمال الموجودون ينظفون الأرض ويجمعون الأحجار بسرعة شديدة ليبدأ السياح رحلة الزيارة».

ويضيف: «الوضع ظل هكذا نحو 5 أيام حتى جاء عدد من المرممين الأسبوع الماضى وبدأت عملية استبدال حجر حديث بالحجر القديم».

انتهت شهادة هانى حلمى المرشد السياحى الذى حرص على توثيق الواقعة بالصور، رغم منع المسئولين بالمعبد أى محاولات تصوير ومنها الصورة التى ننشرها مع هذا التقرير، وعندما سألنا خالد شوقى مدير آثار أبو ـ سمبل عن حقيقة ما يقال عن سقوط كتلة حجرية من سقف معبد أبو سمبل، حيث نفى تماما الواقعة، مؤكدا أن عدم وجود الحجر القديم هو نتيجة تغييره قائلا: «تم استبدال الكتلة الصخرية على أيدى رجال الترميم التابعين للوزارة يوم الاثنين الماضى 24 سبتمبر، بعد أن تم وضع السقالات فى المعبد مساء الأحد 23 سبتمبر عقب انتهاء موعد الزيارة، وتمت عملية ما نسميه «ترميما مستكملا»، وهو استبدال الحجر الحديث بالقديم، وهو ليس حجرا أثريا، بل هو حجر تم وضعه فى هذا المكان عام 1973 تقريبا فى أثناء عملية ترميم تمت للمعبد فى هذا الوقت».

وقد تمت عملية الاستبدال كما قال مدير آثار أبو سمبل فى إطار عمليات الترميم والصيانة السنوية للمعبد قبل احتفالات التعامد.

وعندما أخبرته أن هناك تأكيدات أن الجزء الذى يُستبدل به كان قد سقط بالفعل قبل حضور خبراء الترميم بنحو أسبوع، وأن هناك شهودا على الواقعة بالفعل نفى حدوث أى انهيار وان الاستبدال تم لأن الألوان الموجودة فى الحجر صارت باهتة وفقدت لونها وتم تغيير الحجر بالكامل بآخر ملون ومرسوم بشكل أفضل، على حد قوله.

مهندس معمارى حمدى سطوحي، صاحب مبادرة الاحتفال بمرور خمسين عاما على إتمام نقل المعابد وإنقاذها، وكما قال لنا تعقيبا على ما حدث مؤكدا صدق واقعة السقوط، قال: «لقد حذرنا كثيرا مما حدث ومما يمكن أن يحدث فالقصة ليست فى انهيار هذا الجزء الذى يراه المسئولون غير اثري، بل المهم الآن البحث عن أسباب ما حدث الذى قد يفسر سبب سقوط الحجر»، ويشرح قائلا: هناك سببان رئيسيان الأول افتقاد القبة الخرسانية لاتزانها، واقصد بها القبة المشكلة للجبل الذى يحتوى على المعبدين، أما السبب الثانى فهو الاحتباس الحرارى الذى يعانيه المعبد بالفعل منذ سنوات، بسبب عدم كفاءة عملية التهوية، وربما يكون هناك سبب إضافى حدث هذا العام، حيث لاحظ الجميع ارتفاع منسوب المياه فى بحيرة ناصر بشكل ملحوظ عن الأعوام السابقة الذى ربما تسبب فى حركة التربة أسفل القواعد الخاصة بالقبة التى تحتوى المعبد كله بداخلها. وهناك أزمة حقيقية نبهنا إلى خطورتها منذ سنوات وهى عدم عمل أجهزة التهوية بكفاءة فى القبة الموجود فيها المعبد، حيث إنها تفتقد لأى صيانة منذ سنوات، وقد نبهنا فى حملة أبو سمبل50 بأن المعبدين فى خطر حقيقي، حيث إن أجهزة المتابعة والمراقبة الموجودة والمفترض أنها تراقب أى حركة أو هبوط أو تمدد فى جسم القبة الخرسانية لا تعمل أصلا وربما لا يدرى أحد عنها شيئا ومن يعلمون بوجودها لا يتابعونها منذ تركيبها فى نهاية الستينيات. وقد حذر من هذه الخطورة العديد من المتخصصين حتى المهندسون الذين شاركوا فى عملية الإنقاذ والنقل قبل خمسين عاما، وذلك فى عدة ندوات عقدناها فى نقابة المهندسين. فالجبل الذى يحتوى على المعبدين ليس جبلا طبيعيا بل هو مجرد غطاء لقبة خرسانية ضخمة هى منشأة هندسية ويجب التعامل معها بشكل هندسى دقيق.

&

معجزة الإنقاذ

يعود عمر معبد أبو سمبل إلى نحو 1250 عاما قبل الميلاد، حيث تم نحته بالكامل بمعبديه الكبير وهو معبد رمسيس الثاني، والصغير معبد زوجته نفرتارى داخل جسم جبل مطل على الضفة الغربية لنهر النيل على بعد نحو 290 كيلو مترا جنوب غرب مدينة أسوان.

واجهة المعبد الرائعة تتكون من أربعة تماثيل كبيرة تمثل الملك رمسيس الثانى بارتفاع 20 مترا، وفى مدخل المعبد توجد ستة تماثيل أخري، أربعة منها لرمسيس الثانى واثنان لزوجته نفرتاري، نحتت كلها فى الجبل واستمر بناء المعبد فى نسخته الأولى نحو 20 عاما.

واكتشف المعبدان عام 1813 بعد أن كانا قد غطتهما رمال الصحراء تماما، وبعد 150 عاما من الاكتشاف كادت أبو سمبل تتعرض إلى كارثة حقيقية هذه المرة من المياه بعد أن تم إقرار مشروع السد العالي، وهو ما أنقذه منه المشروع الضخم الذى تبنته اليونيسكو عام 1965، واستمر لنحو ثمانى سنوات ما بين جمع التبرعات للإنقاذ والدراسات لاختيار أفضل طريقة ممكنة والتنفيذ الذى اعتمدت فيه طريقة مدهشة تعتمد على تقطيع المعبدين بالكامل وإعادة تركيبهما بعد اختيار مكان يبعد عن مكانهما الأصلى بنحو 200 متر ويرتفع عن منسوب المياه المتوقع تجمعها أمام المعبدين بنحو 65 مترا وقتها، ،وتم إنشاء القبة الخرسانية الضخمة التى تم تغطيتها بالرمال والأجحار لتكون جبلا صناعيا ضخما وتم نقل المعبدين بداخلها وتحول مدخل تلك القبة إلى مدخل جديد للمعبدين يماثل تماما مدخلهما الأصلي، لتنتهى معجزة من معجزات عمليات النقل التى وثقتها منظمة اليونيسكو فى كتيب خاص صدر فى تلك المناسبة، حيث إن المعبدين القديمين تم تقطيعهما إلى 5 آلاف قطعة بلغ وزنها 250 ألف طن وتمت إعادة تركيبها بالكامل بدقة متناهية، بحيث لا ترى آثار عملية التقطيع.