سعود الشهري

تعددت التيارات والأطياف في مجتمعنا ما بين حديث وقديم، وأركز هنا على الصعيد الثقافي بشكل خاص، ولا شك أن تعدد وجهات النظر وتباين الأفهام والاستنباطات حجر أساس لمثل هذا التشاكل، ولا يمكن رفض هذه الحالة من التباينات بأي حال من الأحوال مادامت لا تتعدى اللوائح المرعية، فالاختلاف سنة كونية.


لكن الذي لا يمكن قبوله هو أن يدعي البعض من المثقفين - بعيدا عن جدلهم على مصطلح الثقافة نفسه- الانتماء لتيار غير موجود لدينا أصلا، ولا يمثلون ولا يمتثلون فيه حتى بأبجدياته.
عندما تنظر في بعض الأوساط تجد البعض من مرتاديها يدعي انتماءه لليبرالية مثلا، واضعا في نفسه مسبقا أنها توجه خاطئ محارب لأن فلانا من التيار المعاكس له قد اتخذها و«معتنقوها» عدوا.
عندما قدم بعض الصحافيين الأجانب قبل عشرات السنين وجدوا أن في مجتمعنا ركنين واضحي المعالم يتحدثان في الحراك الثقافي آنذاك ويُسمع لهما، وهما السلطة السياسية والسلطة الدينية، لكنهم عندما خرجوا إلى المجتمع وجدوا أناسا يتحدثون أيضا في الأمر ذاته، لكنهم لا ينتمون إلى أي الجهتين، فأسموهم مجازا ليبراليين، بعد ذلك حضرت الحداثة بقوة، وانضم هؤلاء إليها، وبقيت فترة زمنية لا بأس بها، وكانت لها إيجابيات وسلبيات، ثم بدأت بالتلاشي، فوجدوا أنفسهم لا يأوون إلى ركن شديد، في الحال ذاته وقبل أقل من عقد من الزمن برز أحد البارزين في تيار معاكس، واتخذهم كـ «شماعة» يعلق عليها تهمه ونعوته فأسماهم بالليبراليين، فطاروا بذلك فرحا واعتمدوا التسمية، ولربما كان فرارا من مصطلح «العلمانية» الذي يرفضه المجتمع، ويجرّم عليه القضاء الإسلامي.
عندما ننظر في أقسام الليبرالية نجدها فلسفية واقتصادية وسياسية، وعندما ننظر في حال من ادعى الانتماء إليها نجده لا فيلسوفا ولا اقتصاديا ولا سياسيا، فيكون الحل أن نوجد له نوعا افتراضيا، ونسميه الليبرالية الصحفية ليصح الرأي فيه، فلا رأي في «لا شيء».
مشكلة هؤلاء «المدعين» أنهم نسبوا أنفسهم إلى تيار يخالفون فيه أساسياته؛ يقول برتراند راسل «الحرية والحيوية سلاحان ونعمتان؛ فهما تخليص وهما استعمار، كما فعلت أوروبا بنفسها خيرا وكانت شرا على جنوب إفريقيا، فإن الحرية بذاتها لا تستقيم إلا إذا كان عطاء منك لغيرك لا العكس، فلا تطلبها لنفسك»، وفي ذات المعنى يقول جون كاريه: «لقد تنازلنا عن حريات كثيرة لنكون أحرارا».
ومن الفلسفة ربما أن أشبههم بشعار الثورة الفرنسية عندما أجبروا الشعب أن يكون حرا فقتلوا الحرية ذاتها، وكان شعارهم المتناقض «لا حرية لأعداء الحرية».
وكم آمل ألا يحذوا حذو مونتسكيو: «الحرية هي انضباطك وفقا لغيرك» فيكبلونك بسلوكيات غيرك وتقتل الحرية أيضا.
ختاما فإني أرى أن الليبرالية لدينا وفي مجتمعنا هي دعوى إعلامية هلامية غير محددة المعالم، انتمى إليها من وصفه خصمه بها، فاتخذها شعارا دون أن يطبق أو ربما يعلم أبجدياتها التي من أولاها العطاء..