إميلي سيمبسون
قبل القمة البريطانية- الفرنسية الأسبوع الماضي، عرض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون رسمياً إعارة «منسوجة بايو» التاريخية لبريطانيا، وهي قطعة فنية تصوِّر الحملة العسكرية التي انتهت بانتصار ويليام الفاتح -دوق نورماندي، وملك إنجلترا لاحقاً- على هارولد غودوينسون، آخر الملوك الأنجلوساكسونيين في معركة هاستينغس في 1066. وهي تتلاءم ومكان المؤتمر، الذي عقد بأكاديمية ساندهرست الملكية العسكرية قرب لندن، ومع تركيزه على التعاون الدفاعي الإنجليزي- الفرنسي. وبشكل عام، فقد مثّلت إعارة المنسوجة لفتة دبلوماسية مناسبة كونها ترمز إلى من يكون ماكرون وما يريد فعله داخلياً وخارجياً.
وكانت حملة ماكرون الانتخابية قد تجاوزت فئتي اليسار واليمين المتوارثتين في الغرب -وهما فئتان تمت صياغتهما على سندان التحول من اقتصاد زراعي إلى اقتصاد صناعي. ذلك أن ماكرون أدرك أن هذه التصنيفات السياسية لم تعد توفر مقاربة منسجمة للمشاكل الاقتصادية والاجتماعية في دول الغربية التي بدأ يتقلص فيها دور الصناعة بعد عدة عقود من العولمة السريعة وصعود اقتصاد المعلومات.
وطبعاً رأى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزعماء «البريكسيت» هذا الأمر مبكراً أيضاً وحققوا انتصارات سياسية على هذا الأساس، غير أن كل طرف يقترح طريقة مختلفة للخروج من الأزمة. فبالنسبة لترامب، كانت الطريقة هي مقولة «أميركا أولاً»، التي تعني، من ضمن ما تعنيه، التهديدَ بالانسحاب من الاتفاقيات التجارية. وبالنسبة لأنصار «البريكسيت»، فالطريقة هي مقولة «المملكة المتحدة أولاً»، التي تعني أن الأمر كله يتعلق باتفاقيات تجارية جديدة. أما بالنسبة لماكرون، فالأمر لا يتعلق برفض العولمة ولا بالإمعان فيها، وإنما بشق طريق وسط بين الاثنين، طريق يقترح فرنسا قويةً في أوروبا وأوروبا قوية في العالم.
فداخلياً، يسلك ماكرون طريقاً مؤيِّداً للأسواق بشكل كامل، وهو ما يبرز بوضوح في إصلاحه الكبير لقانون العمل الفرنسي في سبتمبر 2017. ولكنه اتخذ أيضاً بعض المواقف الحمائية قصد التصدي للتهديد الشعبوي. وإذا كان من الصعب قياس وقع التحول السياسي على الاقتصاد في ظرف ثمانية أشهر فقط، فإن ثقة الشركات الفرنسية تبدو في ارتفاع واضح.
وبخصوص الاتحاد الأوروبي، فالشعار الذي كثيراً ما يردده ماكرون هو «أوروبا تحمي الأوروبيين»، وهي فكرة تتمثل في أنه لئن كان الرئيس الشاب يرغب في سوق حرة بالكامل داخل أوروبا، فهو لا يريد أيضاً جعل السوق الأوروبية تغرق بالسلع الرخيصة القادمة من الأسواق الصاعدة مثل الصين.
وقد لا يحصل ماكرون على الإصلاح الذي يريده لمنطقة اليورو على المدى القصير، بالنظر إلى المقاومة الألمانية العامة لاندماج مالي أكبر، وإنْ كان المهم هنا هو المآل الذي ستؤول إليه المفاوضات الحالية في ألمانيا حول تشكيل ائتلاف حكومي. وعلاوة على ذلك، سيتعين على مشروعه بخصوص اندماج أكبر في مجال الدفاع التنسيق مع «الناتو» والاتفاق حول الدور الذي ستلعبه المملكة المتحدة، إنْ وجد، عندما تغادر الاتحاد الأوروبي، وكلاهما موضوعان صعبان. غير أن ما هو واضح على المدى القريب هو أن فرنسا عائدة بخصوص التجارة والأعمال، داخلياً وخارجياً، وماكرون صاعد إلى الواجهة باعتباره زعيماً دولياً رئيسياً على الساحة العالمية. ولكن طموحاته بدأت للتو.
لقد لجأت كل من حركة «البريكسيت» وترامب، إلى الشعبوية من أجل إعادة إحياء ما كانا ينظران إليه باعتباره عصراً ذهبياً مضى. وفي المقابل، ينظر ماكرون إلى تاريخ الشعبوية في أوروبا باعتباره الشيء بالضبط الذي يتوخى مشروعُه هو الإصلاحي التصدي له. ويهدف إلى توفير بديل جدي للشعبوية في أوروبا إذا كان يراد للاتحاد الأوروبي ألا ينهار جراء عجزه عن الإصلاح.
إن ماكرون ينظر إلى الهدف الأساسي للاتحاد الأوروبي ليس على نحو مادي فحسب، ولكن أيضاً كاستجابة للحياة السياسية القائمة على الاعتبارات الهوياتية الضيقة التي عبّدت الطريق للحرب في 1914 ثم في 1939. وبالتالي، فمن الجيد أن ماكرون وجّه خطابه الرئيسي حول أوروبا في 26 سبتمبر 2017، بعيد دخول حزب شعبوي يميني البرلمان الأوروبي للمرة الأولى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولهذا، فإن خط ماكرون صائب بشأن التاريخ، ولا يسع المرء إلا أن يتمنى فوزه في هذا السجال.
* كاتب ومحلل سياسي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
التعليقات