إيثيان ثارور
رأى آلاف من زعماء قطاع المال والأعمال والسياسيين والمثقفين في دافوس يوم الاثنين الماضي أكبر تساقط للثلوج تشهده هذه البلدة الواقعة في جبال الألب السويسرية منذ نحو عقدين. غطاء أبيض كثيف من الثلوج كان في استقبالهم لدى وصولهم، ولكنه تسبب أيضاً في تباطؤ حركة المرور، وتعطيل القطارات، وإكساء الجبال المحيطة رداءً أبيض.
بيد أنه كانت في الأفق غيوم عاصفة مجازية أيضاً، ففي كلمتها الافتتاحية يوم الاثنين الماضي، أشارت مديرة صندوق النقد الدولي «كريستين لاغارد» إلى استمرار تحسن الاقتصاد العالمي في 2018 و2019، لكنها لم تبدُ راضية تماماً؛ حيث أكدت على أنه ما زال ثمة أعداد كبيرة من الناس في العالم لا تستفيد من ثمار هذا النمو، مشيرة إلى بيانات تُظهر أن نحو خمس الاقتصادات النامية والصاعدة تعاني من تراجع في الدخل الفردي في 2017. وحذرت من «التقاعس» بين الزعماء، لافتةً إلى مؤشرات مزعجة قد تؤشر على أن ركوداً اقتصادياً آخر قد يكون أقرب مما نعتقد، ومن جانبه وجّه البابا فرانسيس رسالة إلى المنتدى حذّر فيها من «اتساع الهوة الاجتماعية- الاقتصادية» عبر العالم، مستنكراً «المصالح الخاصة والطموحات إلى تحقيق الأرباح مهما كلف الثمن» التي يبدو أنها باتت سمة من سمات «العصر المعولم».
هذه رسالة قد لا يأخذها كثير من مديري الشركات الأثرياء الذين يتجولون عبر دافوس هذه الأيام على محمل الجد تماماً. فرغم القتامة التي قد تعتري خطابه بين الفينة والأخرى، إلا أن المنتدى يُعد مكاناً لتفاؤل الشركات، حيث تروِّج منتدياتٌ وفعاليات متنوعة لتكنولوجيات جديدة تنقذ الأرواح، وتشيد بمديري الشركات «النشطاء»، وتلتمس نصائح وتوجيهات حول الزعامة من شخصيات مشهورة مثل إلتون جون.
والواقع أن قلة قليلة من الزعماء البارزين الذين يحضرون المنتدى، قد يتفقون مع هذه الصورة المشرقة للمستقبل أكثر من رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي»، الذي كان خطابه يوم الثلاثاء بمثابة خطاب افتتاحي للمنتدى، وقد روّج لهند «جديدة» صاعدة في عهده – فالبلاد تُعتبر اليوم أسرع اقتصاد كبير من حيث النمو في العالم – وكان مرفوقاً بوفد ضخم من رجال الأعمال والسياسيين المحليين الهنود.
وبعد كلمة «مودي» يوم الثلاثاء، اعتلى المنصةَ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي انتهز فرصة المنتدى كأحدث منبر للترويج لرؤيته لأوروبا مندمجة وقوية قادرة على الحفاظ على ريادتها في عالم يزداد انفصالاً عن الاتفاقات الجيوسياسية للقرن العشرين. ومن المتوقع أن ينتقد ماكرون خلال هذا المنتدى سياسات الهجرة والحمائية التجارية التي يتّبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي سيلقي خطاباً غداً الجمعة.
وحسب مديرة تحرير يومية «لوموند» الفرنسية «سيلفي كوفمان»: «ماكرون يريد أن يكون لاعباً عالمياً، ولكنه يدرك على نحو مؤلم أن فرنسا، ورغم وضعها كقوة نووية ذات مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي، لا تستطيع التنافس. ولهذا فإنه يستخدم أوروبا في طموحه»، مضيفة: «وفق الرئيس ترامب، ستصبح أميركا عظيمة من جديد من خلال الانسحاب من العالم. أما وفق الرئيس ماكرون، فإن فرنسا تستطيع أن تكون عظيمة من جديد فقط عبر جعل أوروبا لاعباً عالمياً».
ترامب وحلفاؤه قد يعترضون على هذا الوصف لسياسته الخارجية، ولكن تلك هي الطريقة التي تراه بها بقية العالم نحو متزايد. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة جالوب للمواقف في 134 بلداً انخفاضاً دراماتيكياً في الدعم للزعامة الأميركية في العالم. «بل إن عدداً أكبر من الناس اليوم ليسوا راضين عن الزعامة الأميركية أكثر مِن عدد مَن هم راضون عنها»، يقول جون كليفتون، مدير «غالوب»، مضيفاً: «هذا الانخفاض التاريخي يضع زعامة الولايات المتحدة على نفس مستوى زعامة الصين ويضع سقفاً جديداً لعدم الرضا».
والواقع أن بعض البيانات التي ينشرها المنتدى نفسه تنتصر لقضايا تبدو مناقضة لرؤية ترامب للعالم، وعلى سبيل المثال: فإن إحدى الأوراق تدفع في اتجاه «فهمٍ عالمي للهجرة»، داعيةً إلى عمل جماعي لمعالجة محنة اللاجئين في إطار رفض أوسع للسياسة الوطنية الصغيرة ضيقة الأفق. هذا بينما انتقدت وثائق أخرى «نهب الشعب» من قبل بعض الحكومات المصممة على استخراج الموارد من أراض كانت عامة ومحمية في الماضي.
وتقول إحدى الورقات: «فكّروا في رفع الرئيس دونالد ترامب للحماية عن مليوني فدان من أراضي المنتزهات الوطنية الفيدرالية»، قبل أن تخلص إلى أن «الخاسرين الرئيسيين في نهب الشعب هم الأجيال المقبلة».
مثل هذا الموقف الليبرالي المبالغ فيه قد يكون بالضبط الشيء الذي لا يستطيع ترامب وأنصاره تحمله؛ ولكنه يخبرنا بقصة أكبر سيجد ترامب صعوبة في تغييرها عندما يذوب الثلج في دافوس.
وفي هذا الصدد، قال نوربرت روتجن، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الألماني وأحد حلفاء المستشارة أنجيلا ميركل، لمجموعة من الصحافيين خلال عطلة نهاية الأسبوع: «إن ما حققه هو إضعافٌ لافت لمكانة أميركا الأخلاقية»، مضيفاً: «إن «أميركا أولاً» جعلت أميركا أضعف في العالم».
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
التعليقات