&محمد المزيني&

جاءت «قمة العشرين» في العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس هذا العام وأنظار العالم منصبة على ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قائد مسيرة التحديث وبرنامج التحول الكبير الذي تشهده المملكة العربية السعودية.


العالم الذي تفاعل مع قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي، ظنّ أن السعودية بقيادة ولي العهد ستواجه بموجة عالية من التنديد والاتهامات، وأن المناحات الإعلامية لقناة الجزيرة القطرية الوافدة ومعها السياسة التركية الأردوغانية برمتها قد نجحت في تأليب الرأي العالمي على السعودية ممثلة في قائد مسيرة التحول، وأنه سيواجه بعاصفة من الاستنكار والاتهامات، وسيظل معزولاً تماماً عن المجموعة، والمفاجأة المرّة والقاتلة لجزيرة قطر المستوردة وكبار سياسيي حزب العدالة والتنمية كانت صادمة وغير متوقعة، إذ انقلب السحر على الساحر، لتلتقط فلاشات العدسات وتصور كل قنوات العالم «مشهدية» غاية في الدقة والوضوح لا تحتاج إلى ترجمان أو تأويل، إذ بدا الأمير الشاب إلى جانب الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين نجم القمة وهما في غاية التودد والتبسط معه، وكم هي صفعة مؤلمة للقنوات الأجيرة وهي تسأل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عما قال لولي العهد السعودي ظناً منهم أنه سيصرح لهم شيئاً يتخيلونه هم ويريدونه أن يباغتهم به، لتجيء إجابته بمنتهى البلاغة والفصاحة السياسية، إذ قال فوراً وبلا تردد: «كيف الحال». ليست هذه فحسب، بل ذلك المنظر البائس للأتراك وهم ينظرون إلى ولي العهد متباسطاً مع الرؤساء، فكان بحق نجم القمة، إذ توارت البهجة عن وجوه اللاطمين على مقتل خاشقجي وكأن أردوغان جاء إلى القمة لا يحمل سوى ملف واحد هو التحريض على قتلته، وخارج ما حدث في القمة من تطلعات لمستقبل عالم جديد، الذي يحمل بين طياته مستقبل العمل والبنى التحتية للتنمية والمستقبل الغذائي المستدام وتعميم مراعاة المنظور الجنساني من أجل الوصل إلى وثيقة نهائية تركز على التنمية العادلة والمستدامة، لم يطب له الأمر حتى ختم زيارته بمناحة مكررة ومعروفة قد تصبح ذات يوم «ترنيمة» ينشد بها زوار ضريح خاشقجي ليضاف إلى الشعائر الدينية مستقبلاً، ونسأل الله ألا يحدث، فعالمنا الإسلامي مثقل بالمزارات والأضرحة والهرطقات التي تحدث فيها، أردوغان ينهي زيارته بمؤتمر صحافي لا يتحدث فيه عن لقاءاته برؤساء الدول وما ستتمخض عنه، ولا عن العقود التي تنتظر الاقتصاد التركي، ولا عن حلحلة الأزمة الاقتصادية التركية الضاربة التي هوت بالليرة التركية، ولا عن الديون المتراكمة عليها، لم يتحدث عن إنجازات تركيا ومشروعات التنمية خلال السنتين الماضيتين، ولا كيف سيعود الاقتصاد التركي إلى انتعاشه الأوّلي مستقبلاً، وما هي المراهنات التي يراهن عليها أردوغان لإنقاذ تركيا مما ستؤول إليه مستقبلاً، كل ذلك وضعه في كفة الميزان السياسي التركي وقضية خاشقجي في كفة الميزان الآخر، وفي ظنّه أن استثمار هذه القضية من خلال منصة القمة سيخدم تركيا، وسينظر إليها أنها سيدة العدالة في العالم، بينما لم يأتوا إلى هذه القمة إلا من أجل المستقبل وبرامجه العالمية التي ستقود شعوبهم إلى حياة آمنة ومرفهة ومكتفية ذاتياً، فلا مجال للحديث سوى عما طرح في جدول الأعمال، وإيجاد حلول منطقية وعادلة تضمن للشعوب حقها ومشروعيتها في التنمية المستدامة، ولن ينظر داخلها إلا للدول ذات العظمة الموضوعية التي تستطيع أن تحقق للعالم جزءاً من هذه المتطلبات، والمملكة العربية السعودية، خاصة وأنها تمتلك رؤية مستقبلية طموحة، تجد لها مكاناً لائقاً في جدول أعمال القمة، كملف تعزيز إدماج النساء والشباب في الاقتصاد، وتوسيع شمولية دائرة الأعمال لتضم مزيداً من الشرائح الاجتماعية، ودعم خطة التنمية المستدامة لعام 2030.

من هنا تمثل المملكة على خريطة القمة درجة عالية من الأهمية لا يمكن أن يستغنى عنها أو ينظر إليها بشيء من التهميش، فمن ذا الذي سينظر في قضية لا تعنيه فُصل فيها بوضوح وانتهت، بينما أردوغان قد تشاغل بها وكرّس سياسته وملأ الأمكنة التي يذهب إليها ضجيجاً، ظناً منه أنه سيلاقي من يقف إلى جانبه ويضيع وقته فيما لا طائل منه. ادّعى أنه يمتلك تسجيلات تؤكد على ما يذهب إليه، ثم اكتشف أنه ليس ثمة ما يفيد في تلك التسجيلات، كان جديراً به أن يقف مع السعودية في هذه القضية بعقل متوازن ومنفتح، وأن يتشاغل في ما يرفع من مستوى اقتصاد بلاده، ويبحث عن طرق أخرى جديرة بالاحترام عوضاً عن الأساليب الابتزازية الرخيصة.

«قمة العشرين» كانت درساً جلياً له دلالاته الواضحة التي تنم عن مكانة المملكة العربية السعودية الاستراتيجية في الاقتصاد العالمي، الذي لا يمكن أن يتوقف عند قضية تقريباً طويت صفحاتها عالمياً تماماً، وتعفّفت السعودية عن مجاراة الإعلام المستورد الفاسد بمرتزقته، كي تعمل على ما التزمت به في رؤية التحول 2030 وبرامجها. وستظل تسير في مضمارها والحاقدون يتفننون في الصياح.

&