&محمد فايع& &&

منذ انطلاقة مهرجان الجنادرية في نسخته الأولى عام 1405، وإلى نسخته الحالية الـ33، وهو يجد العناية والاهتمام والتطوير من ولاة أمرنا، رعاهم الله، ورحم من فقدنا منهم، وذلك من منطلق إيمانهم وقناعتهم بأن هذه التظاهرة الثقافية التي ينتظرها الجميع في كل عام، إنما هي تعبير صادق عن العزم والإصرار، في أن تبقى المحافظة على إرثنا الضخم والكنز الكبير من الموروث هدفا وطنيا، من أجل أن تشعر الأجيال الحاضرة، أن بلدهم بلد عظيم يمتلك تاريخا كبيرا، ولهذا فيجب أن يبقى الجسر ممتدا بين الحاضر والماضي، ويجب أن يستمر استلهام ماضي البلد وتراثه العظيم، واستعادته كل عام لأجل أن يعرف الجيل الحاضر تاريخ بلدهم، وتبقى عهدة المحافظة عليه واجبا وطنيا في أعناقهم، فمن لا يعتز بماضيه لن يعرف قيمة حاضره الذي هو فيه.


المتابع لمهرجان الجنادرية بشكل دقيق سيجد كيف أن برامجه وأنشطته المتنوعة التي نشهدها اليوم، هي في نمو مستمر من الأفكار الجديدة التي تتوالد في كل عام، مع تطوير الأفكار الأولى، فإلى جانب استعراض القديم من الموروث الشعبي المادي، وتعريف الأجيال الحاضرة عليها وإعادة إحيائه في ذاكرة الجيل الذي عاشه، فقد أضيفت إلى المهرجان مناشط فكرية وأدبية وثقافية، وأصبح المهرجان مقصدا لكثير من الأسماء الكبيرة واللامعة في ميدان الأدب والثقافة، وكثير من القضايا والنقاشات تطرح على بساط البحث والنقاش والحوارات بين ضيوف المهرجان المهتمين بالشأن الثقافي من كل دول العالم، وفي ساحاته تسمع بالندوات الشعرية والندوات والأمسيات، ليس هذا فحسب، بل أصبحت لدينا ميزة أخرى، وقد شهدتها نسخ سابقة للجنادرية، وهي وجود ضيف شرف في كل عام من دول العالم يحل كضيف شرف على المهرجان، فمثلا هذا العام ستكون «إندونيسيا» ضيفة على المهرجان، وفي هذه الخطوة نوع من التشارك والتفاعل بين الثقافات التي لم تعد الحواجز المكانية تفصلها، في ظل وجود وسائل الإعلام القديمة والجديدة التي تعمل على تناقل الأخبار، وتلاقح الثقافات، وفي ظل تزايد التواصل بين الشعوب التي عادة ما تكون السياحة مفتاح اتصالها، وهذه سمة من سمات الإعلام والسياحة وإحدى وظائفهما، وواحدة من أهداف المهرجانات الثقافية في العالم، وهذا من شأنه أن يعمل على استمرارية المهرجان، وقيامه بوظيفة تعمل على إدامة جسر التواصل بين شعوب الدول، وهي وظيفة قد تعين على نشر المحبة والسلام بينهم، فلم تكن العزلة الثقافية يوما هدفا جيدا لأي دولة ترغب في أن تدور مهرجاناتها في فلكها المحلي فقط.


الجميل في كل ما يمكن لراصد أن يرصده وهو يتحدث عن مهرجان الجنادرية، هو أننا بينما نحن نتطلع إلى السعودية الجديدة، بوجود برامج اقتصادية جديدة لم يعد النفط عنوانها الوحيد، ونهضة عمرانية، وولادة مدن جديدة ومشروعات جبارة «كنيوم ووعد الشمال والجدية والمشروعات التي تشهدها مدن كجدة والطائف وجازان» وغيرها، فتحت لأبناء الوطن أبوابا من العمل، وفي ظل تلك التحولات التي يشهدها المجتمع وهو يقود خطى التغيير الإيجابي، لا يزال هناك هدف وإصرار وعزيمة أكيدة على «تبقى ثقافة الموروث بكل تنوعاته المادية والفكرية هي الأصل والقاعدة» التي ننطلق منها إلى خلق سعودية جديدة، لم ولن تتخلى عن ثوابتها وتقاليدها وقيمها، ولا عن كل ما تعتز به من قيم عربية وإسلامية هي من أساس هويتها الأصلية، وهذا ما يؤكد عليه ولاة أمرنا -حفظهم الله- في كل خطاباتهم ولقاءاتهم، منذ عهد طيب الذكر المؤسس الملك عبدالعزيز -رحمه الله- إلى عهد سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله، وهو نهج مستمر وباق، كي يفهم ذلك أولئك الذين لديهم فهم خاطئ لمعنى التحولات التي نمر بها في المجتمع، حينما يظنون أن التغيير هو التنكر للهوية الثقافية السعودية العربية، والانقلاب على القيم الدينية والأخلاقية والاجتماعية، والذوبان في بحر الثقافات والهويات الأخرى التي لا تمت لثقافتنا بصلة، ظنا منهم أن هذا يعني التسامح والتماهي مع الثقافات الأخرى، حينما يتخلون عن هويتهم الأصلية التي غفلوا عن أنها دائما ما تكون مثار إعجاب كل شعوب دول العالم، بما يجعلها تبقى موطن اعتزاز لكل من ينتمي لهذا الوطن السعودي العظيم، ومهرجان الجنادرية في حقيقته يحمل هذا الهدف الذي جعل الجيل الحاضر يسعى نحو العصرنة والحداثة والتجديد، وهو متمسك بالأصالة ومعتز بماضيه وانتمائه للسعودية وهو يجوب كل دول العالم.


أيضا من فضل الله أن مهرجان الجنادرية نجح في صنع مكانته بين مهرجانات دول العالم، وفتح نافذة لكل شعوب العالم لتطل من خلالها على ثقافتنا الشعبية وموروثنا الفكري والمادي وعلى ماضينا، وأن يكون ضمن اهتمامات كل من يتطلع إلى المشاهد الثقافية في العالم.
إن بقي لي شيء في الختام أود أن أقوله، فأقول: يجب أن نسعى مع الجهات المنظمة والمسؤولة عن المهرجان في أن نعكس أهداف المهرجان، وأن يكون تفاعلنا مع أحداثه ومناشطه وبرامجه بما يعكس رقينا وتحضرنا واعتزازنا ببلادنا التي هي قبلة كل مسلم، خاصة أن كل الأنظار ستتجه إلينا أثناء فعاليات المهرجان، وكل وسائل الإعلام ستعمل على التقاط هذا الحدث الثقافي الكبير، وبدون شك فنحن من فضل الله نعلم أن أبناء الوطن وبناته يدركون مكانة بلدهم، ويعلمون أننا محاطون بالأعداء في الداخل والخارج، ولهذا فتماسكنا وتلاحمنا واعتزازنا بثقافتنا وظهورنا المشرف الذي يعكس أخلاقياتنا المستمدة من ديننا وتقاليدنا، سيفوت عليهم كل ما سيفرحهم فينا، فالجنادرية هي انعكاس لديننا العظيم، وهي ثقافتنا، وهي مرآة لماضينا الجميل في حاضرنا الزاهر.
&

&