عقل العقل&

لا أحب نبش تراثنا الثقافي والفني للدلالة على أننا كنا في الماضي منفتحين وجميلين اجتماعيا، على رغم صحة تلك الصورة لمجتمعنا قبل النفط والصحوة، كثير منا يردد أن المرأة مثلاً كانت تعمل بجانب أخيها الرجل في مناطق بلادنا، لكن لظروف سياسية داخلية وإقليمية أثرت علينا وجرت المجتمع إلى الوراء في حالة من الانغلاق الاجتماعي والثقافي باسم ما يعرف بـ«الخصوصية» المحلية، ولكن الأكيد أننا كنا ضحية لذلك الانغلاق ودفعنا أثماناً باهظةً من حياة شبابنا لإصلاح مشاكل العالم ونسينا حياتنا، وأصبح بعضنا يستعجل «مغادرة» الدنيا وارتفعت معايير محبة الموت مغلفةً بخطاب ديني متشدد.


بقيت صور تحطيم الآلات الموسيقية الآن في ذاكرتنا، بل إنها أصبحت مواد للتندر والفكاهة. مع رؤية المملكة 2030 التي يقودها ولي عهدنا الأمير محمد بن سلمان توقع البعض أنها ستركز على المشاريع الاقتصادية، ولكن جمالها - باعتقادي - أنها دشنت عصراً لبناء إنسان سعودي منفتح على نفسه والعالم. الفنون ومنها الموسيقي المصاحبة للفعاليات الرياضية والفنية أصبحت اليوم جزءاً من ثقافتنا يحضرها الجميع بشكل حضاري وإنساني كما في دول العالم، هذا الانفتاح الثقافي ومن دون أدنى شك سيخلق علاقة حب حقيقة بين المواطن وبلده وليس كما كان الحال في السابق من كون الواقع الاجتماعي طارداً، هذه الفعاليات الثقافية بكل أشكالها من موسيقي وفعاليات رياضية ودور سينما والتي نشهدها الآن من الدرعية إلى العلا وفي مهرجان الجنادرية هي مشاريع لخلق ثقافة إنسانية تعزز روح الحب الإنساني في المجتمع بعيداً عمن حاولوا غرس ثقافة التوحش.

أقابل بعض الذين يعارضون هذا الانطلاق الحضاري لبلادنا وأكتشف أنهم أصبحوا من المداومين لحضور هذه الفعاليات مع عوائلهم وأصدقائهم، أعتقد أن مثل هذه المعارضة تعتبر شكلية فقط، تعبر عن ثقافة العيب كما يعتقدون، لكن قطار التغير على مستوى الإنسان قد انطلق بشكله الرائع الذي نشهده اليوم، وأعرف أن تغيير بعض الأفكار صعب، خاصة أنه ربط بثقافة التحريم لدينا، وأنا ضد أن الاستمتاع بالفنون في بلادنا هو فقط للأجيال الشابة، بل أرى أهمية أن تكون هذه المناشط للجميع من موسيقى للشباب ومهرجانات للموسيقى الكلاسيكية التي قد تعشقها النخب والفئات العمرية الكبيرة في العمر.

سنصل إلى ذلك من خلال مبادرات برنامج التحول الوطني الخاصة في هذه الجزئية، فسنشهد مجمعاً ملكياً للفنون ودوراً للأوبرا في المستقبل القريب، أتمنى أن يكون هناك إدراج لتعليم الموسيقي في مدارسنا العامة، وألا يكون حق تعليمها فقط لمن لديهم القدرة المالية أو في مدارسهم الخاصة، فلنجعل نشر ثقافة الفنون والموسيقى للجميع حتى نشعر بجمال الحياة من خلال هذه الأنشطة الإنسانية.

أخيراً أقول لمن هوّلوا أن «منظومتنا» الأخلاقية ستنهار من هذا التغيير: إننا سنتغير بالفعل ونكون أكثر إنسانيةً وحباً للحياة بمعناها الواسع.