مُزوِّرو الحقائق يدافعون عن علي صالح بهدف الإساءة للسعودية!
صالح القلاب
في إطار استهداف المملكة العربية السعودية، وهذه الحملة الظالمة عليها في هذا الوضع العربي الذي يوجع القلوب فعلاً، ذهب البعض، عرباً وفرْساً وغيرهم، إلى أنه ما كان يجب التفريط في الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح الذي خاض ست حروب مع «الحوثيين» والذي كان بالإمكان استمرار صدامه معهم و«استغلاله» للقضاء عليهم بدل إقصائه بالطريقة التي أُقصي بها مما دفعه «مجبراً!» إلى التحالف مع هؤلاء الذين تخلصوا منه في النهاية بتلك الطريقة الهمجية البشعة في عملية ثأرية رداً على مقتل حسين الحوثي، شقيق زعيم هذه المجموعة الظالمة والمُضلّة، خلال هذه الحروب المشار إليها آنفاً.
وبدايةً، فإنه يُحسب لهذا الرجل، الذي بمسيرته الطويلة قد شكّل وصلة في غاية الأهمية من تاريخ اليمن الحديث، أنَّ ضميره قد استيقظ في اللحظة الأخيرة، وأنه بهذا قد «كفَّر» عن كل ما ارتكبه من أخطاء وأفْدحها وأخطرها تحالفه مع هؤلاء القتلة الذين كانوا قد تحولوا ومبكراً إلى جيب عميل لإيران الخمينية والخامنئية، والذين شكلوا في هذا الإطار قاعدة متقدمة في هذا البلد العربي الرئيسي لـ«حزب الله» اللبناني الذي لا يزال «صاحبه» حسن نصر الله يفتخر بأنه مقاتل في فيلق الولي الفقيه.
والمعروف أن العاهل الأردني الملك عبد الله بن الحسين كان قد حذَّر، وكرر هذا التحذير قبل أيام قليلة، من أنَّ دولة الولي الفقيه التي غدت متغلغلة في أربع دول عربية، كانت تسعى ولا تزال لإنشاء هلالٍ إيراني وليس «شيعياً» يبدأ طرفه الأول باليمن عند باب المندب وينتهي طرفه الثاني عند شواطئ البحر الأبيض المتوسط بالقرب من ضاحية بيروت الجنوبية التي حوّلها حسن نصر الله إلى قاعدة متقدمة لميليشيات إيران الطائفية والمذهبية ولحراس الثورة الإيرانية بقيادة الجنرال «الطرزاني» قاسم سليماني.
ولعل ما يعرفه الذين يستهدفون المملكة العربية السعودية، والأسباب هنا واضحة ومعروفة، لكنهم ينكرونه، هو أن الرياض كانت أكبر داعم وبكل أشكال الدعم للرئيس اليمني السابق، وفي مراحل كانت قاسية وصعبة إنْ بالنسبة إلى اليمن وإنْ بالنسبة إلى علي عبد الله صالح نفسه، وأن هذا الدعم بقي متواصلاً إلى أنْ حلَّ بهذا البلد وببعض الدول العربية ما اصْطُلح على تسميته «الربيع العربي»، وحيث مع تطور الأحداث هناك في صنعاء وفي العديد من المدن اليمنية قد أصبح نظام هذا الرجل مهدداً بالإطاحة والزوال وأصبح بلده مهدداً بما حصل وما يحصل الآن في سوريا وفي ليبيا، وهكذا فقد كان لا بد من عملية الإنقاذ العاجلة التي بادرت إليها السعودية.
والأخطر أن إيران بكل أطماعها وكل مخططاتها قد تمكنت، وكما يجري الآن في سوريا وفي العراق وأيضاً في لبنان، من ركوب موجة هذا «الربيع العربي» في اليمن، ودفعت «حوثييها» إلى اختراق هذه الموجة والسعي للسيطرة عليها، بحيث يكوِّنون البديل المضمون لنظام علي عبد الله صالح الذي لولا التدخل السعودي والتدخل «الخليجي» العاجل لسقط هذا النظام مبكراًّ سقوطاً ذريعاً، ولحقَّق الإيرانيون الخطوة الأولى من تطلعاتهم، ولأنجزوا بدايات هلالهم الإيراني، ولكانت هذه المنطقة العربية قد دفعت ثمناً سياسياً وعسكرياً و«ديموغرافياً» أخطر من الثمن الذي تدفعه الآن.
لقد كان علي عبد الله صالح، الذي جاءت صحوته متأخرة جداً لتغيّر مسار الأحداث في اليمن، مهدداً بمصير مبكر كمصير معمر القذافي وبنهاية سياسية مبكرة كنهاية زين العابدين بن علي لولا العملية الإنقاذية التي بادرت إليها المملكة العربية السعودية ومعها باقي الدول الخليجية، والتي تمثلت في تلك «المبادرة» التاريخية التي وقّعها الرئيس اليمني السابق بين يدي العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز والتي تضمنت نصاً على تنحيه عن السدة الرئاسية، وكانت إنقاذاً لهذا البلد من مصير مؤلم كالمصير الذي انتهت إليه ما كانت تسمى «الجماهيرية الليبية».
وهنا، لعلّ هناك من لاحظ أن علي عبد الله صالح، الذي كان يوصف بأنه راقصٌ على رؤوس الثعابين، قد تردد كثيراً قبل التوقيع على وثيقة استقالته وفقاً لـ«المبادرة» الإنقاذية المهمة المشار إليها آنفاً، وأنه ابتسم في وجه من قدّمها إليه لتوقيعها ابتسامة عززت اليقين لدى بعض المتابعين، إنْ مباشرةً وإنْ من خلال شاشات الفضائيات، بأن الأمور لن تنتهي على خير، وأنَّ ذلك الاتفاق لن يصمد، وأن هذه الوثيقة سيتم تمزيقها، وأن اليمن سيدخل نفقاً مظلماً لا يعلم سوى الله جلَّ شأنه كيف ستكون نهايته.
لقد وفرت المملكة العربية السعودية للرئيس اليمني السابق نهاية كريمة بالفعل، كما وفرت لليمن تجنب مصير كمصير ليبيا لو أنّ علي عبد الله صالح اكتفى من الغنيمة بالإياب، ولو أنّه إمّا بقي ضيفاً معززاً ومكرماً في الرياض أو في إحدى الدول الخليجية، وإما عاد إلى صنعاء ليصبح «حكيم» قومه ومرجعيتهم في الملمّات ويبتعد بصورة نهائية عن السلطة ويترك الحكم لحزبه، حزب «المؤتمر»، الذي أثبت أنه القوة الرئيسية اليمنية المنظمة الفاعلة والرئيسية.
إنَّ علي عبد الله صالح، الذي تُحْسب له «صحوة» الضمير المتأخرة، رحمه الله، لم يكتفِ بانقلابه على «المبادرة الخليجية» التي وقّعها في الرياض بين يدي الملك عبد الله بن عبد العزيز بل إنه ذهب بعيداً عندما نسي أو تناسى ما بينه وبين «الحوثيين» من أنهار دماءٍ ومن ثارات قديمة وجديدة، فأبرم ذلك التحالف القاتل وسلمهم كل شيء في البلاد: الجيش، والأجهزة الأمنية، ومراكز القوى، والبنك المركزي، والموازنة العامة، كل هذا وقد استخدم دهاءه السياسي لوضع خطة الانقلاب الذي جرى تنفيذه ضد بديله الشرعي عبد ربه منصور هادي الذي لو لم تبادر السعودية بـ«تهريبه» إلى خارج اليمن لكان الوضع أكثر سوءاً وبآلاف المرات مما هو عليه الآن.
إن المؤكد أنَّ «المنخرطين» في هذه الحملة الظالمة على المملكة العربية السعودية، عرباً وفرساً وغيرهم، ومع هؤلاء جميعاً بعض الفضائيات وأجهزة الإعلام الغربية، يعرفون هذا كله وأكثر منه، ويعرفون أنه لولا وقوف الرياض إلى جانب اليمن وتشكيل هذا التحالف العربي الذي شكّلته لكان هذا البلد العربي الآن محميةً إيرانيةً، ولكانت إيران قد حققت هدف إنشاء «هلالها» السياسي آنف الذكر، ولكانت أحرزت تمدداً فعلياً في بعض الدول الخليجية، ولكانت لها السيطرة الكاملة الآن على «باب المندب» وعلى البحر الأحمر كله وصولاً إلى قناة السويس وخليج العقبة.
ربما هناك من يتساءل عمّا إذا كان من الممكن تحسين العلاقات مع هذه الدولة المجاورة ووضع حدٍّ لهذا التوتر الذي بقي متواصلاً ومستمراً منذ فبراير (شباط) عام 1979، واتخذ في سنوات لاحقة منذ عام 2003، وقبل ذلك، طابع التدخل العسكري السافر في شؤون العديد من الدول العربية، القريبة والبعيدة، كالعراق وسوريا واليمن ولبنان، وأيضاً الشأن الفلسطيني الداخلي إنْ بإنشاء دويلة لـ«حماس» في قطاع غزة وإنْ بمنع هذه الحركة من العودة إلى الوحدة الوطنية الفلسطينية التي كانت قد خرجت عليها وبقوة السلاح في عام 2007 بعد فترة قصيرة من اتفاق مكة المكرمة الشهير الذي كانت قد أحبطته طهران ومعها نظام بشار الأسد ودولة خليجية هي قطر... ومع هؤلاء جميعاً «الإخوان المسلمون».
التعليقات