هادي اليامي

بات واضحا وجليا للعالم أجمع، أن ما يجمع الرياض وأبوظبي من عمل مشترك يهدف إلى خير دول المنطقة ومستقبل شعوبها، وتعزيز الدبلوماسية العربية

ردت القيادتان السعودية والإماراتية على تخرصات من جاؤوا بالإفك، وحاولوا السعي بالفتنة، كما سارع مثقفون من كلا الدولتين إلى تأكيد العلاقة القوية التي تربط بين البلدين الشقيقين، وقوة التلاحم الذي يجمع بينهما، والتفاهم الكبير والتنسيق التام، والتناغم منقطع النظير الذي بات سمة مميزة لعلاقاتهما، وجاء ذلك التأكيد ردا على التخرصات التي تطلقها أبواق الدعاية الإعلامية القطرية، التي سعت إلى استغلال ما شهدته عاصمة اليمن المؤقتة، مدينة عدن، أخيرا، وزعمت أن هناك تباينا في مواقف البلدين من الأزمة في اليمن، وسعت بوسائلها المعروفة الممجوجة إلى إحداث وقيعة بينهما وافتعال أزمة، إلا أن تلك المحاولات اصطدمت بجدار صلب مثلته قوة تلك العلاقات وأزليتها.
بات واضحا وجليا للعالم أجمع، أن ما يجمع الرياض وأبوظبي من عمل مشترك يهدف إلى خير دول المنطقة ومستقبل شعوبها، وتعزيز الدبلوماسية العربية، وأن العاصمتين اللتين باتتا منطلق القرار العربي، ومركز الثقل الدبلوماسي في الشرق الأوسط تنطلقان في عملهما المشترك من قاعدة الثقة المتبادلة، وأن الظروف الاستثنائية الصعبة والمعقدة التي تمر بها دول المنطقة، كشفت حجم التضحيات التي قدمت، والجهود التي بذلت، وعلى رأس ذلك عملية عاصفة الحزم التي هدفت إلى قطع يد التدخل الإيرانية في شؤون الدول العربية، وردع المتمردين الحوثيين الذين تجرؤوا على الشرعية، واعتدوا على الشعب اليمني الشقيق. كل ذلك كان تأسيسا لمبدأ رئيس، هو أن العرب لن يكتفوا بالوقوف موقف المتفرج على عدوهم الفارسي، وهو يحاول أن يشعل النيران في بيوتهم، الواحد تلو الآخر، تحت مسميات مذهبية مرفوضة.
وكان تكوين التحالف العربي لاستعادة الشرعية، والنجاحات المتلاحقة التي حققها، وتمكنه من جمع الشعب اليمني حول قيادته، بمثابة صفعة قاسية لمن حاولوا الترويج لفكرة أن الدول العربية لن تنجح في أي عمل مشترك، وأن الفرقة والتشرذم باتا صفة ملازمة لها. فقد صبرت الدولتان على كثير من الخذلان الذي فوجئتا به من بعض المكونات اليمنية، التي فضلت الانتصار لقيمها الحزبية على حساب المبادئ الوطنية، ورفضت الانضمام لكتائب المقاومة وقوات الجيش الوطني، وارتضت أن تقف في موقف السلبية، إلا أن أحرار اليمن وقواه الوطنية سارعوا بالانضمام تحت راية التحالف الذي ما قام إلا نصرة لبلادهم وتخليصا لها من الانضمام إلى محاور الشر العديدة التي ترعاها طهران. ولم تكتف السعودية والإمارات بذلك بل إن قواتهما شاركت بفعالية جنبا إلى جنب مع الأشقاء اليمنيين، وسالت دماء أفرادها زكية وروت أرض اليمن، وكتبت ميلاد فجر عربي جديد، عنوانه الوحدة والتلاحم والاتفاق.
وتجلت قوة العلاقة التي تميز البلدين في موقفهما المشترك من التجاوزات القطرية المتكررة، وقيامها بدور الوكالة عن إيران في محاولة زعزعة استقرار المنطقة، ومع أن الدولتين صبرتا كثيرا على تلك الممارسات الضارة، وحاولتا بقدر الإمكان تقويم سلوك شقيقهما الخليجي، إلا أن كل تلك المحاولات ذهبت أدراج الرياح، ولم يبق في كنانة الصبر من سهم، لذلك كان لا بد من موقف حاسم، يعيد إلى البيت العربي استقراره، مهما كان الثمن مؤلما، لأن خرق السفينة كان سيودي بحياة الجميع. وبعد أن فضحت الدولتان تلك الممارسات، لم يجد حكام الدوحة من سبيل لفك طوق العزلة التي أدخلوا أنفسهم فيها بقراراتهم الخاطئة وتصرفاتهم المرفوضة سوى محاولة ضرب العلاقة المتينة التي تجمع دول المقاطعة الأربعة، فحاولوا الترويج لوجود الخلافات، إلا أن تلك المحاولات الساذجة ارتدت عليهم بالمزيد من التلاحم والتعاضد، بيانا بالعمل، وليس قولا باللسان.
ومع أن الرياض وأبوظبي شريكان إستراتيجيان مع بقية أشقائهما في جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، إلا أن تطابق رؤاهما والتنسيق الكامل بين قيادتيهما كان هو العنوان الأبرز الذي أسهم في التوصل إلى تفاهمات عربية واسعة، وتحقيق إجماع في قضايا مصيرية كانت تمثل أولوية عربية مطلقة، مثل الموقف من حزب الله الإرهابي، ومحاربة الإرهاب والفكر المتطرف، والتصدي للخطر الإيراني المحدق، ورفض قرار الرئيس دونالد ترمب بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، فتم ذلك التفاهم والتوافق، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة. وتجنبت الدول العربية بفضل ذلك الكثير من الاضطرابات والأخطار التي كانت محدقة بها من كل حدب وصوب. وكل هذا ما كان له أن يتحقق لولا الدبلوماسية السعودية الإماراتية، التي تبنت توفيق المواقف، وتوحيد الكلمة، والتنسيق بين العواصم العربية والإسلامية المختلفة.
ومع أن العلاقة بين البلدين اتسمت طوال تاريخها بتلك السمات الإيجابية، وعرفت التنسيق والتوافق والتناغم منذ بداياتها، إلا أنها لم تكن أقوى في أي مرحلة سابقة مما تشهده في الوقت الراهن من تطابق، فالرؤية المشتركة المتكاملة تجمع بينهما، والتقارب يحكم تحركاتهما لما فيه مصلحة سائر دول المنطقة، لدرجة أن تلك العلاقة وصلت مرحلة يمكن أن نسميها شراكة استراتيجية وتاريخية شاملة. وأصبحت نموذجاً لما يجب أن تكون عليه العلاقة بين الدول العربية، ومثالاً على الوعي المشترك بطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية المحيطة، وأهمية التعامل معها بسياسات ومواقف متسقة ومتكاملة، وهي مرشحة بفضل حكمة القيادتين كي تمضي بعيدا في هذا الاتجاه، غير عابئة بصيحات المفزوعين، ومحاولات المخذولين، وسيكون المزيد من التنسيق والتكامل هو الرد العملي الأقوى على من باتوا لا يملكون من حيلة سوى إطلاق الشائعات، ومحاولة إيقاف سير القافلة بالصياح والعويل.