عبدالله بن بخيت
يقدم التاريخ في كثير من الدول الإسلامية وبينها المملكة مجموعة من العبر المضيئة والدروس الرائعة. مديح للماضي وإثارة الحنين والرغبة في العودة للعيش فيه والزهد بالحاضر، وتتوسع المسألة عند الحكواتية والدعاة إلى تحقير الحاضر.
عندما تفتش في ثقافتك عن تاريخ بني أمية أو العباسيين أو الأيوبيين لن تجد سوى مصابيح مضيئة وحياة رغيدة وزعماء عظام وفتوحات تنبئ عن بطولات خدمت الإسلام والمسلمين. على ما في هذا من مبالغة لا أحد يقول لك: إذا كان حكم بني أمية بهذه العظمة والرفعة وخدمة الإسلام لماذا لا ندين العباسيين الذين أسقطوهم. عندما يأتي من يمجد عبدالرحمن الداخل لماذا لا يقول لك كيف نجا من مطاردة العباسيين وما الذي حل بأخيه الأصغر والمئات من أسرته الذين قتلوا غيلة وفجوراً.
إخفاء أحداث التاريخ المؤلمة والسيئة هو الذي جعل الإنسان العربي أو المسلم غير راضٍ عن الحاضر، لا يطيق العيش فيه الأمر الذي سهل على الأحزاب الدينية والمنظمات اصطياده وتوظيفه ضد حياته وأسرته وحكومته.
تدور هذه الأيام مماحكات وتقاذف وسباب بين فرسان تويتر السعوديين وخصومهم من السعوديين وغير السعوديين ممن اسميهم المتعثمنين. من تمتلئ قلوبهم بالحنين للخلافة العثمانية أو من تمتلئ قلوبهم بالولاء للإخوان المسلمين.
معركة من أبرز وأهم المعارك. أتوقع أن تضيف على وعينا القديم وطرق تلقينا المعرفة شيئاً من الشك والسؤال والتأني عند مقاربة التاريخ.
حتى وقت قريب تعتبر الإمبراطورية العثمانية واحدة من مفاخر الشعوب الإسلامية. تاريخاً مضيئاً يجب أن تعرفه الأجيال لتجله. لم يجرؤ أحد أن يصف علاقة الإمبراطورية بالشعوب الإسلامية والعربية التي حكمتها قروناً.
حتى الأسبوع الماضي كانت القاهرة تزين أحد شوارعها باسم سليم الأول. ما كان أحد يعرف من هو سليم الأول ولماذا أخذ هذا الشارع اسمه. لا يمكن أن تزين أمة شارعاً من شوارعها باسم عدو. من مرَّ بالشارع سوف يسمع رنين ما تعلمه في المدرسة أو من الحكواتية والدعاة عن دك العثمانيين حصون أوروبا ولكن لن يعرف من هو سليم الأول.
بالرجوع إلى أي مرجع تاريخي سترى أن سليماً لم يكن أسوأ حكام بني عثمان ولكنه واحد من أسوئهم. خلع والده وقتل شقيقيه وقتل أبناء أشقائه الخمسة ووقع هدنة مع الممالك المسيحية ليتوجه إلى العالم الإسلامي. عندما دخل القاهرة فاتحاً (بلاد مسلمين) بالمناسبة أعلن العفو عن كل من يستسلم فاستسلم له ثمان مئة من قيادات خصمه فقتلهم جميعاً. انتهت مصر أن عاشت بعد ذلك كما عاشت الشعوب الإسلامية في ظلام دامس لا يقلقه سوى دعاء خطباء المساجد بالنصر والتمكين لكل من يجلس في قصور الاستانة.
التعليقات