بكر عويضة

بالتأكيد، ليس المقصود بالكذب «القديس فالنتاين»، بل أجدر بذلك الفعل السيئ، أولئك الذين يحلو لهم، ولهن، توظيف أنبل عواطف الإنسان لأجل مجرد إرضاء شهوات حسيّة، ولأجلٍ محدد، بانقضاء مدته تنقضي الحاجة ولو لكلمة حب واحدة تقال لِمن ضُللت، أو ضُلل باسم الحب. أعرف، مسبقاً، أن السؤال سوف يُثار على النحو التالي: وما العلاقة؟ ما شأن الحب بما يُرتكب، باسمه، من الضلال الذي تشير إليه؟ الجواب، ببساطة، هو أنها علاقة ناشئة عن سوء استخدام من يُفترض فيهم مداواة آلام المتضررين بفعل كوارث طبيعية في مختلف أنحاء الأرض، أو مجاعات وحروب حيثما وقعت، لحاجة ضحايا تلك المآسي، بغرض إشباع غرائزهم. الذين أوفدتهم «أوكسفام» إلى هايتي، ذهبوا إلى هناك يحملون رسالة حب - وهي تظل كذلك حتى لو أخطأ حامل الرسالة - لكنهم تحت مظلة تلك الرسالة، مارسوا خطايا متع جنسية محرّمة في كل الشرائع، ومرفوضة بكل المقاييس الأخلاقية. قبل ذلك، وضعت قوات سلام دولية تحت المجهر أيضاً، عندما اتضح ما مارس أفراد يتبعونها من فضائح جنسية في مجتمعات المفروض أنهم موجودون فيها لحماية سلامها، وليس لانتهاك أعراض أهلها. هؤلاء أيضاً مارسوا خطيئاتهم تلك باسم رسالة حب إنسانية.

هل يعني ما سبق انتفاء بهجة احتفاء المحبين بيوم «فالنتاين»؟ كلا، على الإطلاق. بل حق لكل حبيبين تُسقى شجرة حبهما من ينبوع ثقة ليس ينضب أبداً، فتثمر رياحين ووروداً كل لحظة من أيامهما، حقيق بهما وبكل السعداء حقاً بوثاق الحب بينهم، الاحتفاء بكل ما يشكل مناسبة لتجديد دفق العطاء، وتأكيد الثبات على عهد المودة وميثاق الرحمة. ثم، في ضفة مقابلة، تكسرت على شاطئها الأحلام وتناثرت مع الرياح الأماني، عسى الآتي من الأيام يحمل للمنتظرات الأمل، والمنتظرين، بشرى الحب بعد طول صبر، سواء كان الأول، أو الشافي من آلام عشق ولّى، لكن الزمن ما طوى مر الفراق بعد حلو التلاقي. أيُمرضُ ألم فراق الحبيب حتى لو ظلم، أو ظلمت؟ بلى، وديوان العرب يفيض بما يوثق ذلك. لكن، نبقى في حال زماننا. تجارب بشر كثيرين في مشارق الأرض ومغاربها تثبت أن المرأة، بفطرتها، أخلص للحب من الرجل. كثير من الرجال - أعترف أنني أحدهم - يصعب عليهم فهم لماذا تألم الأنثى أكثر عندما تحس، مجرد إحساس، بالرفض، فكيف إذا هو واقع مفروض عليها؟ مطلع الشباب، يغتر الفتى فيجرح قلوب عذارى الحارة، وإذا اتبع خُطى الغَرور، انتشى فتوّهم أنه «فارس» زمانه. ومن الرجال مَن ليست تُشبع عاطفته امرأة تهبه أكثر من ذاتها، تتنازل له حتى عن حميمية حاجاتها مقابل مجرد الوفاء لإحساس الإنسان في أنفاسها. نعم، هناك الرجل الذي يكسر قلب امرأة، أو أكثر، بشروخ قد تستعصي على الجبر، مهما مرّ من الزمن. ترفض كل ذات عزيمة الاستسلام للوهن، أو لوهم، أسر رجل واحد في حياتها. تمضي تشق طريقها ناجحة في عملها وضمن نطاق مجتمعها، تلتقي غير الذي أحزنها، تمارس حياتها كأن شيئاً من قبل لم يكن. إنما، تأبى جذوة ذلك الحزن البعيد إلا أن تستيقظ من سباتها فجأة، وكم تبدو المفارقة مذهلة، حين يوقظها هو ذاته، الذي شرح الحب صدرها فانفتح له قلبها. بالمقابل، هناك المرأة التي تدخل قلب رجل، يعطيها الحب بصدق، فإذا بها توقظ فتنة أنامتها الأيام، ونسيها هو، تجاوزها منذ زمن الصبا، ها قد فتح الحب الجديد صندوق ثعابين آلامٍ سوف تسرق ما تبقى له من فرح الأيام. في كتاب «أعظم عشاق العالم» - دار أكتوبس 1985 - لم تكتفِ مارغريت نيكولاس بسرد قصص مشاهير فرسان الغرام، وآسرات قلوبهم، في مختلف بقاع الكوكب، بل حرصت، عبر تحليل شخوص أبطال كتابها، على الغوص في أعماق إحساس الحب، وأسرار نزوع الناس إلى الإبحار في خضم تقلّب أمواجه، والتنقل بين شواطئه، ولماذا يصعب على رجال، أو نساء، بدل الاكتفاء بأول حب، التوقف عن النهل من نبع الحب، أو تجنّب الوقوع في شراك العشق مرات عدة، ليست تخلو من عذابات، وفي حالات كثيرة لن تنجو مغامرة إرضاء ذلك النزوع من تبعات قد تدمر سمعة، أو تهدم مكانة، وقد توصل إلى التنازل عن حكم، أو الإقصاء من منصب. لماذا؟ بأمر الحب.