مسلم الرمالي

تصرفنا السلبي تجاه لغتنا العربية بتهميشها وتسطيحها وتقزيمها، سيقضي مع مرور الوقت على هويتنا الوطنية التي تعتبر اللغة أحد أهم أركانها

في شوارع الرياض ومعظم مدننا اليوم تصافح عيونك لوحات إنجليزية لبعض المحلات، والمؤسسات التجارية، والمطاعم، والشاليهات، مكتوبة بالأحرف العربية، ولكن نطقها إنجليزي.! وفي داخل المطاعم والمقاهي تجد بعض المجاورين لك يتحدثون كلمة بالعربي وخمس كلمات بالإنجليزي، وداخل بعض المنشآت والمؤسسات تجد الإيميلات والمكاتبات الرسمية باللغة الإنجليزية... وفي بعض الاجتماعات والمؤتمرات تجد اللغة المستخدمة هي اللغة الإنجليزية رغم أن المتحدثين والجمهور سعوديون وعرب، وقلة قليلة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة أجانب. هذه المشاهد تجدها في معظم مدن المملكة والظاهرة في نمو! فهل ستندثر لغتنا العربية؟!
حسب تقرير قدمه خبراء منظمة (اليونيسكو) حول حيوية اللغات وتعرضها للاندثار، فإنه يوجد تقريبا (6000) لغة موجودة حتى اليوم، والكثير منها مهدد بخطر الاندثار، حيث يتكلم حوالي 97% من سكان العالم بنسبة تقارب 4% من لغات العالم، وفي المقابل ينطق حوالي 3% من سكان العالم بـ96% من لغات العالم. وحسب التقرير فإن 50% من لغات العالم تخسر ناطقين بها لعدم اكتساب الأبناء لغة الآباء، وبالتالي يمكن استبدال حوالي 90% من اللغات بلغات سائدة في أواخر القرن الحادي والعشرين. ويرجع التقرير خطر تعرض اللغات للاندثار إلى سببين ناتجين عن: قوى خارجية كالارتهان العسكري، أو الاقتصادي، أو الديني، أو الثقافي والتعليمي، أو قد يكون سببه القوى الداخلية، كالتصرف السلبي لمجتمع حيال لغته الخاصة.
اللغة العربية لا خوف عليها من الاندثار، فهي لغة القرآن الكريم، وقد نالت من القرآن الكريم القداسة والحفظ، وبها ينطق حوالي 422 مليون نسمة، وتعتبر إحدى اللغات الست الرسمية في الأمم المتحدة. 
لكن الخوف هو من تصرفنا السلبي تجاه لغتنا العربية بتهميشها وتسطيحها وتقزيمها، والذي مع مرور الوقت سيقضي على هويتنا الوطنية التي تعتبر اللغة أحد أهم أركانها، والوعاء للثقافة والمعرفة فيها. وكما هو معلوم أن أخطر أنواع الغزو الثقافي هو الغزو اللغوي، والذي يصيب الهوية الوطنية في مقتل. بالأمس كنا بدواً وفلاحين، وبلغتنا وهويتنا استطعنا أن نكون رقما صعبا على الخارطة الدولية على كل الأصعدة، نؤثر أكثر مما نتأثر، وكلما تعالى علينا أقراننا العرب ووصفونا بالبدو وأهل الخيمة والجمل -نؤكد ذلك ونفخر بهذه الهوية الوطنية مع فخرنا واعتزازنا بما حققناه من ريادة وقيادة، وتقدم إنساني، وثقافي، وحضاري. فلماذا الآن لا نفخر بأحد أشكال هويتنا يا ترى؟ هل هو خجل من لغتنا العربية؟ أو برستيج؟ أو فرد عضلات؟ أو عقدة نفسية لمحاكات وتقليد الغرب؟
اليوم الأربعاء الموافق 21 فبراير هو اليوم العالمي للغة الأم كأحد الأيام الدولية للأمم المتحدة ومنظمة اليونيسكو، وذلك لتعزيز التنوع اللغوي والثقافي العالمي، وبالتالي يحق لنا بهذا اليوم وكل يوم أن نفخر بلغتنا العربية التي هي مصدر هويتنا الوطنية العربية، ولغة القرآن والسنة النبوية. أتمنى من الجهات ذات العلاقة أن تحمي لغتنا من عبث تغريب العربية. وعلى علماء اللغة، والنخب الثقافية، والمعلمين، وكل مواطن، مسؤولية التفاعل إيجابا مع لغتنا الأم، وأن يعزز حضورها في حديثه وخطابه ويكرسها بين أبنائه وطلابه.