حمود أبو طالب
اهتمام عالمي كبير بالجولة الخارجية الأولى لولي العهد الأمير محمد بن سلمان منذ تسلمه عهدة المسؤول الثاني في الدولة، وبعد سلسلة من القرارات الإصلاحية الكبرى التي تم اتخاذها بعزم وجدية في مجالات عديدة جعلت المراقبين وكثيراً من وسائل الإعلام العالمية تتساءل إلى الآن هل كل ما يحدث في السعودية حقيقي، وهو سؤال ليس إنكارياً لأن الحقائق العملية تجيب عنه، بقدر ما هو رد فعل على صدمة لم تكن متوقعة في مملكة كانت ساكنة لوقت طويل وقررت أن تتغير نحو الأفضل وبسرعة مدروسة متزنة.
وقبل هذه الزيارة كان محمد بن سلمان مالئ دنيا الإعلام وشاغلها منذ يومه الأول في مسؤوليته الوطنية الضخمة، والسبب أسلوب الصدمة الذي اتبعه في تنفيذ القرارات التي يباركها ويشرف عليها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، سواء ما يتعلق منها بالشأن الداخلي أو الخارجي، قرارات كثيرة ما زال البعض غير مستوعب أو مصدق لها، وكمثال واحد لا أكثر ما كتبه الصحفي دافيد اغناتيوس في واشنطن بوست يوم ١ مارس بعنوان: هل الإصلاحات في السعودية حقيقية. ليجيب هو بنفسه عن سؤاله بعد مشاهدته ومعايشته للواقع بأن: نعم. وفي الشأن الخارجي لا تقل القرارات أهمية عن الشأن الداخلي، فقد غيرت السياسة السعودية الخارجية كثيراً من أدبياتها وأساليبها كي تكون لائقة بأهمية الوطن الذي تمثله، أصبحت أكثر ديناميكية وبراغماتية في مراعاة مصالحها والتعامل مع مهدداتها بقوة وصلابة وحسم، الوقت لم يعد مناسباً للمجاملات على حساب المصلحة الوطنية، وأينما وجدنا مصالحنا سنحققها، والذين لا يحبون التعاون معنا فذاك شأنهم إذا لم يقتنعوا بما نفعله لأن البدائل متاحة.
الزيارة التي تشمل - حسب الروايات الإعلامية - مصر وبريطانيا وفرنسا وأمريكا لها دلالة واضحة وأهمية أوضح. بالنسبة لمصر فليس ثمة حاجة إلى تأكيد الروابط التاريخية وأهمية العلاقة المشتركة والتنسيق المتبادل مع أكبر دولة عربية ما زالت زيارة الملك سلمان لها ونتائجها تشكل علامة فارقة في العلاقات بينهما، إضافة إلى كون البلدين معاً يمثلان ثقلاً وقوة عربية في مواجهة مخططات الفوضى والتشرذم التي تستهدف الأوطان العربية، وبالتالي يكون منطقياً جداً أن تكون مصر المحطة العربية الأولى التي يزورها ولي العهد.
وبالنسبة لبريطانيا، فمهما كانت الظروف التي تمر بها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، ومهما قيل إنها تبحث عن دعم كبير لاقتصادها بعد خروجها، وأيضا مهما قيل عن بعض مواقفها تجاه بعض جزئيات السياسة السعودية الجديدة داخلياً وخارجياً، إلا أن المقال الذي كتبه وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون ونشرته صحيفة الشرق الأوسط يوم الخميس الماضي ١ مارس تحت عنوان «مستقبل السعودية والمنطقة والعالم الإسلامي يعتمد على نجاح الأمير محمد بن سلمان في مسعاه»، يختصر النظرة الرسمية البريطانية الحالية للمملكة وسياساتها في مرحلتها الجديدة، وقراءة المقال كاملاً بمضامينه غير المسبوقة في لغة المسؤولين الأجانب، والبريطانيين على وجه الخصوص، عند حديثهم عن دول أخرى لا سيما الدول العربية، تؤكد اعتراف بريطانيا بأهمية هذه السياسة، ومركزية الدور السعودي وأهميته البالغة التي تحتم التعاون معه. ومهما كانت ستجني بريطانيا من أموال مقابل أي صفقات تجارية أو عسكرية محتملة، فإن هذه اللغة أكبر من أن تكون مبرراً لها لأنها محسوبة على دولة كبرى رغم كل المتغيرات التي مرت بها في الفترات الأخيرة.
وبالنسبة لفرنسا فإن زيارة ولي العهد لها لا تقل أهمية عن بريطانيا كدولة مركزية في الاتحاد الأوروبي، ذات أبعاد ثقافية وثقل في التوازنات الأوروبية بعد خروج بريطانيا، وهي أيضا دولة مهمة في التصنيع العسكري، ولها حضور مؤثر في مجريات الأحداث العالمية.
وأما بالنسبة لأمريكا، الحليف التاريخي الأقدم، فلربما يكون منطقياً جداً رغم أي اختلاف بين الدولتين على بعض القضايا والملفات المستجدة، فإنه من غير المتوقع ألا تكون ضمن برنامج الزيارة عندما نتذكر أن المملكة هي الدولة الأولى التي زارها الرئيس ترمب بعد توليه الرئاسة، وكانت زيارة تاريخية بكل المعايير، بالإضافة إلى الدور الأمريكي الرئيسي في كل الملفات والقضايا العالمية الراهنة، وليس العربية والشرق أوسطية فقط.
نحن إذن إزاء زيارة دولة للمسؤول الثاني في مملكة جديدة أدهش بأدائه كل سياسيي ومراقبي العالم، مسؤول يبحث عن مكانة أرفع وأقوى لوطنه، ودور أكثر تأثيراً وفاعلية في أمن واستقرار المنطقة وحمايتها من احتمالات التأثر بالأحداث التي تفضي إلى الانهيار. مسؤول يتعامل مع العالم باللغة التي يفهمها وتحقق مصالح وطنه، يبحث عن الشراكات الإيجابية البناءة بوضوح وثقة وجرأة يستمدها من وضوح رؤيته وسلامة أهدافه وغاياته، إنه يريد تطبيق وتحقيق ما سبق وتحدث عنه في أكثر من مناسبة عن ملامح وتوجهات وسياسات وطنه الجديدة المتسمة بالإيجابية داخلياً وخارجياً. لذلك يكون منطقياً التفاؤل بنتائج زيارة لمسؤول كهذا في توقيت مهم وظروف شديدة الأهمية والحساسية.
التعليقات