عبدالله بن بخيت

يعيد كثير من الكتاب تفاقم الصحوة (الجهيمانية) إلى الغلو في الدين. ربما يكون هذا صحيحاً بعض الشيء ولكنه لن يستقيم علمياً إذا لم نبحث عن المحرك الاقتصادي الذي يقف خلفه. لا يمكن أن تنجح حركة في التاريخ فضلاً عن أن تزدهر وتسيطر إذا لم يساندها عامل اقتصادي قوي يحركها ويكدس الأموال في جيوب قيادتها.

في أوائل الثمانينات أعلنت أميركا وبريطانيا حرباً مقدسة عالمية ضد الاتحاد السوفييتي. جند لها الرئيس الأميركي مقدرات الولايات المتحدة ونفوذها وإعلامها القوي وحلفاءها. دخل المسلمون في هذه الحرب مدفوعين بالغزو السوفييتي لأفغانستان المسلمة. صور الإعلام الأميركي أن الصراع في أفغانستان هو صراع بين الإيمان والإلحاد.. بين الخير والشر.

مع بداية الثمانينات أيضاً عانت أسعار النفط العالمية من انخفاض حاد. بدأ الانخفاض بشكل تدريجي حتى بلغ ذروته العام 1986. في تلك المدة عجزت الدول النفطية -بينها المملكة- عن تلبية كامل احتياجات التنمية فوجهت معظم مواردها للصيانة ودفع رواتب الموظفين فقط. صاحب هذا نشوء بطالة حادة. من المشكلات التي نشأت أيضاً أن توقفت الجامعات عن النمو الطبيعي قابله من الجهة الأخرى نمو مطرد في عدد الطلبة خريجي الثانوية العامة. اضطرت الجامعات أن تتوسع في الأقسام النظرية لتدني كلفتها. فاتجهت هذه الأقسام إلى العلوم الدينية دون التبصر أن خريجي هذه الأقسام لا يمكن أن يتوفر لهم وظائف في أي اقتصاد حديث، فخلقت الصحوة وظائفها.

ظهرت ثلاث وظائف غير مسبوقة في تاريخ الإسلام. الداعية الإسلامي والراقي الشرعي ومفسر الأحلام. لو عدت للتسعينات في زمن تفاقم الصحوة ستلاحظ أن عدد السحرة والجن في المملكة يتنامى طردياً مع تنامي عدد الرقاة. كلما زاد عدد الرقاة زاد عدد السحرة وزاد عدد الجن وزاد عدد المصابين بالعين. هذه مسألة طبيعية، فالسحر والعين والجن مصدر رزق الرقاة الأساسي، يتوجب خلق أكبر كمية منهم باستمرار.. إضافة إلى ذلك ازدهرت تجارة العسل المقري عليه والحبة السوداء وغيرها. كانوا يشترون علبة العسل الألماني بعشرين ريالاً ويعاد بيعه على الناس بأربع مئة ريال بعد القراءة عليه ونسبته إلى حضرموت أو غيرها. تشكل من ذلك حركة اقتصادية ضخمة تدور عجلتها خارج الاقتصاد الرسمي.

لم تكن الصحوة مجرد تعصب ديني يمكن معالجته بالتوعية الدينية. أصبحت مصدر رزق وثراء. لا يمكن أن يتنازل راقٍ شرعي (عديم الموهبة) يكسب في اليوم الواحد ثلاثة آلاف ريال عن دخل كهذا بطيب خاطر.

في اللحظة التي تصدر فيها السلطات المعنية قراراً (نافذاً) يمنع تقاضي أي أجر على قراءة القرآن والمحاضرات الدينية عندئذ سينهار متكأ الصحوة الاقتصادي فتنهار بشكل أوتوماتيكي.