إدريس لكريني

عندما تشكّلت حكومة عبد الإله بنكيران المغربية، في أعقاب التصويت على دستور 2011، في ظرفية داخلية وإقليمية ضاغطة، بدا أن أول تحدٍ سيواجه مكونات هذه الحكومة التي ظهرت في سياق زمني متسارع؛ هو المحافظة على وحدة تحالفها الذي ضم تيارات ومكونات مختلفة من حيث مرجعياتها وتصوراتها (إسلامية، واشتراكية، وليبرالية..) ومواقفها إزاء عدد من القضايا والملفات كالحريات وتمكين المرأة، والتعاطي مع عدد من الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية.

وعلى الرغم من رسائل الاطمئنان التي أطلقها رئيس الحكومة وزعماء أحزاب الأغلبية حينها بصدد انسجام العمل الحكومي، فإن محك التنفيذ أفرز محطات صعبة مرّ منها هذا التحالف، الذي بدا في عدد من المناسبات هشاً لأسباب وعوامل مختلفة، عكست في مجملها وجود ارتباكات على مستوى تنظيم الاختلاف القائم بين الأطراف المعنية، على الرغم من وجود برنامج حكومي يحدد سياساتها وتوجهاتها.

ففي مرحلة أولى؛ انسحب حزب الاستقلال من الحكومة ضمن خطوة لا تخفى تداعياتها السلبية على المشهد السياسي، برّرها الحزب المنسحب حينئذ بعدم انخراط رئيس الحكومة في تنظيم الاختلافات بين أطراف هذه الأخيرة، بصورة مرنة وديمقراطية، وبسيادة التنظيم الأحادي الذي يغلّب منطق الحزب الأغلبي (حزب العدالة والتنمية)، على حساب البرنامج الحكومي الذي يعكس التوجهات العامة لمكونات الفريق.

وعلى الرغم من ترميم الأغلبية لاحقاً واعتماد ميثاق حكومي يحدّد المعالم العامة والتوجهات الكبرى التي تؤطر عمل التحالف، فإن ذلك لم يمنع في كثير من الأحيان من بروز شرخ في الأداء، عكسه تباين مواقف الأحزاب المشاركة في الحكومة إزاء تنفيذ عدد من الملفات، كما هو الشأن بالنسبة لإصلاح صندوق المقاصة، وسبل تنمية المجال القروي، وإصلاح صندوق التقاعد، حيث برز فيها اختلاف واضح على مستوى المقاربة.

ففي الوقت الذي ظلّ فيه حزب العدالة والتنمية يدافع على حصيلته الحكومية بصدد عدد من الملفات، لم تتردّد بعض الأحزاب الأخرى المشكّلة للحكومة في التنصل من مسؤولياتها في هذا الإطار؛ بل عبّر بعضها عن رفضه لعدد من السياسات، بصورة خلّفت ارتباكاً واضحاً لدى المتتبعين والمراقبين والناخبين إزاء أداء حكومي يفترض فيه الانسجام وتحمل المسؤولية الحكومية الجماعية. 
ذهب الكثير من المحللين إلى أن هذا الأمر يكرّس إلى جانب عوامل أخرى تفشّي ظاهرة العزوف السياسي والانتخابي، ويطرح أكثر من سؤال بصدد أداء الأحزاب السياسية وتحملها لمسؤولياتها وتموقعاتها، سواء ضمن المعارضة أو الأغلبية.

كان هناك اعتقاد بأن تأخر تشكيل الحكومة بعد الانتخابات التشريعية لعام 2016، ومواكبة الدكتور العثماني للمفاوضات التي رافقتها بصعوباتها وإشكالاتها، سينعكس بالإيجاب على أداء مكونات الحكومة التي ترأسها هذا الأخير وعلى انسجامها، عبر الاستفادة من أخطاء وهفوات التجربة السابقة في هذا الخصوص، غير أن محكّ التنفيذ أكّد أن هذه الحكومة بدورها لم تتمكّن من تجاوز الإشكالات التي طبعت تجربة سابقتها كما ذكرنا بعد التشظّي الذي عكسه انسحاب حزب الاستقلال في بداية الأمر من التحالف، قبل أن يبرز تباين على مستوى تحمل المسؤولية بصدد عدد من السياسات الحكومية، بين مدافع عنها ومتنكر لها، وهو ما شكل عائقاً دون تحقيق التناغم المفترض لبلورة أداء في مستوى التطلعات، على الرغم من وجود ميثاق أقرته أطرافها في مرحلة سابقة.

وقّعت الأحزاب السّتة المشكلة للتحالف الحكومي (حزب العدالة والتنمية، وحزب التجمع الوطني للأحرار، وحزب الاتحاد الدستوري، وحزب الاتحاد الاشتراكي، وحزب الحركة الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية)، قبل أسابيع على «ميثاق الأغلبية» الذي تضمّن عدداً من المبادئ والمرتكزات السياسية والأخلاقية، التي يفترض أن تؤطر العمل الحكومي، بما يجعل من مقتضياته مرجعاً لتنظيم الخلافات والصراعات التي من شأنها أن تقع تحت محكّ الممارسة، بما يحصّن التماسك الحكومي ضد التصدعات والارتباكات المحتملة.
يأتي الميثاق في وقت ظهرت فيه هشاشة البناء الحكومي في أعقاب التصريحات الأخيرة المثيرة التي أطلقها بنكيران، والتي أثارت جدلاً كبيراً في الأوساط السياسية، بالنظر إلى انعكاساتها على التحالف الحكومي، رغم حرص العثماني حتى الآن، على تنظيم الخلافات الحكومية بقدر من المرونة والتروي، مع تلافي إطلاق الخطابات والمواقف غير المحسوبة في هذا الشأن.

حقيقة؛ الميثاق يتضمن مجموعة من المبادئ التي يفترض أن تحكم أداء الأغلبية الحكومية على مستوى نهج التشاركية والنجاعة والشفافية والتضامن في المسؤولية، والتواصل مع مختلف الشركاء، غير أن الأمر لا يمكنه أن يشكل حائلاً كافياً لمنع أي تصدع أو ارتباك محتملين في الأداء مستقبلاً، ما لم تفلح الأحزاب السياسية المشكّلة للتحالف في تنظيم خلافاتها ومشاكلها الداخلية بصورة سلسة وديمقراطية، وطالما لم يستطع بعضها أيضاً تجاوز المبالغة في استحضار المصالح السياسية والحزبية الضيقة على حساب المصالح العامة، وما لم تتمكن كذلك من استيعاب تموقعها الحكومي، بعدم السقوط في مفارقة الدفاع عن الحصيلة الحكومية تارة، والتشكي والتنصل من المسؤولية بهذا الخصوص تارة أخرى.

إن كسب رهان الانسجام يظل بحاجة أيضاً إلى إرادة حقيقة لمكونات هذا التكتل، بصورة تدعم احترام مضامين الميثاق، مع الاقتناع بأهمية المقاربة التشاركية في التدبير وترجمتها ميدانياً، بعيداً عن أي توجّه «هيمني»، علاوة على بلورة أداء حزبي ناضج ومسؤول.
إن وجود تباين واختلاف الرؤى داخل العمل الحكومي، هو أمر طبيعي بل وصحّي في بعض الأحيان، خاصة إذا ما تمّ تحويل هذه الخلافات من تحديات إلى فرص تدعم التعاطي السليم والشامل مع مختلف القضايا والملفات.

ثمّة كثير من الأولويات المطروحة أمام الحكومة في الوقت الراهن، تتنوع بين ما هو اجتماعي واقتصادي، وهي قضايا تسائل في مجملها جدّية ومسؤولية النخب السياسية، سواء داخل المعارضة أو الأغلبية، وتفرض طيّ الخلافات والنقاشات الحزبية الضيقة، وتجاوز المزايدات السياسية والانتخابية.. إلى الانكباب على التعاطي البنّاء والمنفتح، مع مختلف الملفات والقضايا.