خليل علي حيدر
لم يحطم «داعش» المدن والقرى ويدمر آثار العراق وسوريا الرائعة، أو ينهبها ويبيعها فحسب، ولم يتسبب في قتل المئات والآلاف وجرح وتشويه وضياع أثر أعداد أكبر من ذلك، بل وترك كذلك عدداً هائلاً من الأطفال والأرامل، ونساء سوريات وعراقيات ومغربيات وأوروبيات محطمات يندبن حظهن، لا يعرفن مصير الأزواج والأولاد بل ومصيرهن، بعد انهيار دولة «داعش» الدموية، وسقوط خلافته المزعومة.. على رؤوس من بنوها!
الشابة التونسية «خديجة» كانت بين الهاربات من مدينة «الرقة» السورية تحدثت مع كثيرات أخريات إلى «قناة موسكو» في يوليو الماضي، حول الحياة والمعاناة كزوجات داعشيات، وتجربتهن القاسية. فبعد أن قُتل زوج «خديجة» طلبت منها والدتها العودة إلى «تونس»، إلا أن السكان المحليين في «الرقة» بسوريا اقترحوا عليها أن تتزوج ثانية، وعرضوا عليها رجلاً مقعداً، فوافقت. تقول خديجة إنه لم يكن أمامها خيار آخر، لأنها كانت ستُقتل لو حاولت العودة إلى تونس على يد عناصر «داعش». «نور الهدى» زوجة لبنانية من «طرابلس»، زوجها ضمن المجموعة المتطرفة من أعضاء «داعش»، وقد اقتنع الزوجة بتلك الأفكار وأخذ يقنع زوجته بأنه لاشيء سيء في هذا الأمر، ثم لحقت به في سوريا ثم إلى تركيا، وهناك تعرفت على حياة النساء في كنف «داعش».
تقول لنفس القناة الروسية، «يقوم مقاتلو داعش» بقتل الرجال ويوزعون النساء على عدة أماكن للإقامة، ويقومون بفصل المتزوجات عن العازبات وعن السبايا». وذكرت نور الهدى في المقابلة أن مغربية اسمها «أم آدم»، كانت مسؤولة عن السكن النسائي، وكانت شديدة قاسية تحبس النساء لأي خطأ في حجرة دون نوافذ، مع فتحة أسفل الباب لإدخال الطعام وأخذ الأواني».
وسلطت كل من خديجة ونور الهدى الضوء على سلوك الدواعش مع الزوجات و«السبايا»، اللواتي يشتروهن من السوق! وتقول خديجة، «تعيش الزوجة في مكان مستقل عن المرأة الأخرى - أي العبدة أو السبية - ويُمضي الرجل يوماً مع زوجته ويوماً مع السبية». وتقول «نور الهدى» أن «المقاتلين كانوا يُظهرون حرصاً على السبايا، يشترون لهن المواد التجميلية لبيعهن لاحقاً بمبلغ 15 ألف دولار، وإذا كانت السبية بكراً يصل ثمنها حتى 30 ألف دولار». إلى جانب هذا تضيف: «كانت هناك حالات بيع قتيات صغيرات، وهناك فتاة لم تتجاوز 10 سنوات كانوا يريدون بيعها مقابل عشرة آلاف دولار».
وروت ثلاث سوريات للصحيفة نفسها قصص زواجهن ب«دواعش» أجانب، إحداهن «سعاد» المنحدرة من «حمص»، التي تزوجت من زوجها الثاني المغربي الجنسية بعد سفرها إلى الرقة بداية عام 2015، حيث كان عنصراً في تنظيم «داعش». سعاد في العشرينات وكانت تحلم أن تكون مدرسة لغة انجليزية بعد أن درست الأدب الإنجليزي ونالت شهادة الدبلوم في الترجمة في حمص، وتزوجت عام 2010 من شاب حمصي قٍتل عندما كان ذاهباً لشراء الخبز برصاصة قناص. وبعد فترة قررت السفر إلى الرقة. «عندما وصلت إلى كراج الرقة، منعني عناصر الحسبة - أي الشرطة الدينية - من إكمال طريقي إلى تركيا أو العودة نحو دمشق لأنه لم يكن معي مرافق مَحرَم، وقالوا إنني مسلمة ويجب أن أعيش في ظل الخلافة».
أما الزوجة «نور»، 22 سنة، فقد انتقلت عائلتها إلى الرقة قبل الأحداث لأن والدها كان يعمل في التجارة، فانتقلت الأسرة من حلب إلى هذه المدينة، حيث تعرفت على «عنصر ماليزي» تعرف على شقيقها عام 2014، وطلب يدها ورفضت ثم وافقت «لأنه كان متديناً ورجلاً ملتزماً ويتحدث اللغة العربية الفصحى، تزوجنا وأنجبت منه طفلين». وتقول «الخنساء»، «إن والدها كان مع «داعش» فانتقلوا من مدينة «حماة» إلى الرقة، وطلبني عنصر تونسي، ووافق أبي عليه وكأنه فارس الأحلام! أما أمي فوقفت لجانبي لكنها كانت عاجزة مثلي». وبعد عام قُتل زوجها في مايو 2016 لتتزوج من تونسي آخر على صلة بزوجها الأول.
وتضيف الخنساء: «الجنس والنساء هاجسان رئيسيان في حياة أي مقاتل أجنبي منتسب للتنظيم، غالباً ما يتخذ المقاتل أكثر من زوجة واحدة ويبحث عن السبايا، ثم يُطلقون بعد شهر أو شهرين».
وتحدثت الخنساء عن عنف داعش وجرائمه وإسراف مسلحيه في الذبح والإعدامات الجماعية، وكان المدنيون يخشون من أحكامه المتشددة وعقوباته التي كان أبسطها بتر الأطراف أو الَجلْد.
واتفق زوج «نور» الماليزي مع مهرب لإيصالهم إلى مناطق «قوات سوريا الديمقراطية»، ودفع مبلغ 2000 دولار، و«عندما وصلنا للحاجز رفعنا علماً أبيض، عرّف زوجي عن نفسه وأنه كان مقاتلاً سابقاً في التنظيم، اقتادوه إلى سجن مدينة عين العرب، على أمل الإفراج عنه بعد انتهاء التحقيق». وبالفعل أطلق سراحه وحاولوا الهرب ثانية، «ولكن عندما تحدث زوجي اللكنة التونسية كُشف أمره.. وأخذوه إلى السجن ومنذ 45 يوماً لا أعلم عنه أي شيء».
ومما كشفت عنه الخنساء أن زوجها كان ينقل إليها تذمره لأن التنظيم كان يرسل الأجانب إلى الخطوط الأمامية، «أما المقاتلون المحليون فكانوا إما أمراء أو قادة أو مسؤولين أمنيين»!
وفي بيت صغير على مبعدة 50 كيلومتراً شمال غربي الرقة، في مخيم «عين عيسى»، كتب المحرر «كمال شيخون» للشرق الأوسط، عن مكان مخصص لاحتجاز نساء مقاتلي داعش: «كانت إحداهن من بلجيكا، بالإضافة إلى ثلاث نسوة من روسيا، واثنتين من الشيشان، وفرنسيات من أصول مغاربية، وإسبانية وهولندية وأذربيجانية، وعربيات من تونس والمغرب وليبيا وغيرهن كثيرات».
«نعم، فرحت كثيراً عندما قُتل زوجي، لم أصدق أنني تخلّصت منه ومن ظلمه». بهذه الكلمات، تقول الصحيفة، روت «حبيبة عفيف» - 33 سنة - وهي سيدة إسبانية من أصول مغربية، التحق زوجها ب«داعش» فتركوا إسبانيا إلى سوريا، للالتحاق ب«جبهة النصرة»، الفرع السوري لتنظيم «القاعدة»، ليبايع الزوج لاحقاً تنظيم «داعش». وتقول «حبيبة» إنها رفضت بشدة، لكن زوجها، تقول: «هددني بحرماني من فلذات كبدي، وبأنه سيأخذهم بالقوة، ووافقت تحت الضغط والضرب».
ومن نساء أو زوجات «عين عيسى» بالقرب من الرقة، الفتاة الأذربيجانية، «ديلبر آرتور»، 18 عاماً. وقد بدأت قصتها عام 2014 عندما سيطر «داعش» على الرقة، وقرر والدها السفر برفقة أطفاله إلى تركيا، ثم إلى سوريا بعد عبور الحدود. كان والد «ديلبر» مقاتلاً تولى مناصب قيادية في معارك «داعش» بحلب، ثم انتقلت العائلة للسكن في مدينة الرقة، لكنهم لم يحتملوا مشاهد القتل والإعدامات الجماعية التي صدمت حتى الأب الذي خطط للفرار. لكن قبض عليه وقتل مع ثلاثة آخرين من «أذربيجان» بتهمة أنهم «خوارج»!
وتابعت «ديلبر»: «لم أشعر بطفولتي، أجبرت على الزواج من مقاتل تركي عندما كان عمري 15 سنة بسبب ضغوطات التنظيم، وأنجبت منه طفلاً، قُتل زوجي لاحقاً بضربة طيران»، حيث زادت مسؤوليتها وهي بهذا السن المبكرة لترعى إخوتها إلى جانب طفلها الصغير، وتضيف: «تزوجت مرة ثانية من تركي أيضاً، وقتل هو الآخر بعد أشهر في مدنية المنصورة العراقية، وقتها قررت الفرار من قبضة التنظيم».
التعليقات