فضيلة الفاروق
ساعات فقط بعد إعلان فوز الروائي الفلسطيني إبراهيم نصر الله بجائزة البوكر العربية حتى نفدت روايته «حرب الكلب الثانية» من المكتبات، وهي لعدة أشهر ستظل «نجمة» الكتب بامتياز، كما كل الروايات التي برزت مع هذه الجائزة.
الذين ابتكروا الجوائز الأدبية يصرون على أن الجوائز هي سحر الساحر الذي يغري الناس للقراءة، وأن قيمة الجائزة هي التي تقرّب للقارئ ثمن «البضاعة» الحقيقي فتغريه لاقتنائها، فالرواية الفائزة بخمسين ألف دولار لا شك أنها تستحق أن نلقي عليها نظرة، فهي في رأي الإنسان العادي أغلى من كيلو ذهب، أغلى من سيارة، أغلى من شقة في بعض الدول العربية.. وأغلى من أشياء أخرى يضيق المقام لذكرها، وإن كانت هذه كلفتها مع بريق الأضواء والشهرة التي تلحق بالكاتب فما الفرق بينها وبين أي شيء ثمين نشتريه؟
البوكر التي تعتبر اليوم «الماركة العالمية» التي اقتحمت رفوف المكتبة العربية اختصرت الحبر الذي سال من آلاف الأقلام المبدعة لإقناع شعوبنا المشغولة بمهام أخرى غير القراءة بالالتفات للكتاب، وها هي تنجح؛ فمنذ إعلان القائمة الطويلة خلال أول دورة لها وحركة بيع الكتاب في انتعاش مستمر، خاصة بعد فتح مزيد من قنوات التسويق عبر الإنترنت.
ورغم ما قيل ويقال عن تسييس الجوائز، وإخفاقها أحياناً في اختيار الكتاب الجيد للمكافأة الكبرى، إلاّ أن تأثيراتها جيدة على مستقبل الكتاب عموماً في بلادنا، وتقدم الرواية في سلم المبيعات على كتب الطبخ والسياسة والتوقعات الفلكية، والمكسب هنا يكمن في أن الرواية تنقل تجربة كاملة لحياةٍ ما، فهي «الباب الذي يفتح على العالم على شساعته» كما قال فلوبير، وهي رحلة تقودنا إلى مجتمعات مختلفة وأشخاص يختلفون عنا في ظروفهم ويشبهوننا في أعماقهم، في صمت نناقش ما يتعبنا معهم، دون ملامة، أو عتاب، نخرج بضمادات لجراحاتنا، ومواساة لنا قد لن يقدمها لنا أقرب الأصدقاء.
وإن كان اسم إبراهيم نصر الله - المتوج هذه السنة بالبوكر - أخمد أصوات المعارضين والمنتقدين للجائزة كون الرجل مشهوداً له بتجربته المميزة والعميقة والجادّة، إلا أن بعض الامتعاض انتاب المتابعين، فمنذ إعلان القائمة الطويلة توقع الأكثرية فوز «فلسطيني» بالجائزة، كون أربعة فلسطينيين تأهلوا في تلك التصفيات، وبوجود نصر الله بينهم بدا من غير اللائق أن يقصى هو وتمنح لغيره، فالقارئ العربي يعرف من هو نصر الله، لكنه لا يعرف البقية، وبمجمل القول فإن تذكير العالم العربي بالقضية الفلسطينية من خلال إبراهيم نصر الله «مش غلط»؛ فالرجل حمل على عاتقه القضية بشكل مختلف، ويستحق مقالاً آخر للإضاءة عليه أكثر.
التعليقات