سمير عطا الله
في كل ما يُكتب عن معدل القراءة في العالم العربي، يتردد دائماً أن كل ما يُنشر في بلداننا كل عام يوازي فقط مجموع ما ينشر في إسبانيا. الطريقة التي تصاغ بها هذه النتيجة الإحصائية توحي إلى أمرين: نقد للعالم العربي، ومديح لأحفادنا في بلاد الأندلس.
تقريظ وتأنيب معاً. ومثلي مثل غيري، تأثرت بهذه المقارنة وازددت إعجاباً بالإسبان، خصوصاً بعدما بدأوا يتخلون عن رياضتهم القومية القائمة على طعن الثور حتى يخور ويمور وينزف آخر نقطة دم، فلا تعود ركبتاه تحملانه، ولا يعود قلبك يتحمل، فتخرج إلى أول بوابة هروب، فيما الإسبان يهتفون بصوت واحد: أوليه! والمقصود الموافقة والترحيب والابتهاج بتفوق وذكاء المصارعين على ذكاء الثور. ليس دائماً.
لم تظهر إحصائية جديدة عن الكتب والقراءات، فظل تقديرنا للإسبان وإعجابنا بالإسبانيات يتزايد مع تزايد أعدادنا في العالم العربي بالملايين، وبقاء النسبة نفسها: الآباء لا يقرأون، الأحفاد بدائع.
أنصح بعدم قراءة البيروفي ماريو فارغاس يوسا. لماذا أفعل وأنا الذي طالما تحدثت عن جاذبية أعماله، ثم إنني مدين له كمواطن لبناني بالصورة التي رسمها لبطولات اللبنانيين في رواياته وعشقهم للحرية.
لكن حامل نوبل ليس دائماً إلى جانب العرب. ولو عن غير قصد أو بنيّة حسنة. ففي مطالعة بعنوان «لماذا الأدب» نفضح سراً رهيباً: نصف الشعب الإسباني لا يقرأ. أي عندما نقارن أنفسنا بالإسبان، فالمسألة ليست لصالحنا على الإطلاق. وكما كان يهتف يوسف بك وهبي في اللحظات الشديدة الحرج: يا للهول، يا للهول.
لأن الحقيقة التالية هي أن الذين يقرأون في إسبانيا هم النساء، والرجال... سلامتك. ليس فقط يهتفون لموت الثيران المحاصرة نزفاً، بل هم لا يقرأون إلا صحف السبق والكرة ونتائج «اللوتو». لم أرَ في حياتي بلداً تنتشر فيه أكشاك بيع ورق اليانصيب مثل إسبانيا. وكل عام تقرأ عن قرية أو بلدة اشترك أهلها في شراء «الورقة الكبرى» وربحوها جميعاً، فلا يتبقى لكل رابح من النصيب الكبير سوى النصيب الصغير.
هل هناك حاجة إلى الأدب؟ طُرح السؤال على فارغاس يوسا وعلى معظم أدباء العالم. شاعر الأرجنتين خورخي لويس بورخيس كان جوابه: «ما الفائدة من الأدب؟ ما الفائدة من تغريد الطيور؟ ما الفائدة من مشهد الشمس وهي ترسم إحدى لوحات غروبها؟».
التعليقات