سكينة فؤاد
وسط صخب وضجيج مسلسلات أغلبها لا علاقة له بالواقع وبطولات ساذجة ومزيفة ووسط طوفان إعلانات ونجوم وهستيريا رقص وغناء وكل ما لابد أن يثير تساؤلات عن مصادر هذه المليارات.. وإذا كنا صادقين وجادين فى تخفيف آلام الفقر ـ رغم أنه لا يوجد فقير واحد فى مصرـ عجبى!! وأوجاع المرضى والحرمان والظروف بالغة القسوة التى يعانيها الملايين.. ألم يكن أولى أن تذهب هذه الأموال لتخفيفها؟! أصحاب القلوب الكبيرة والرحيمة لاينتظرون هذا الضجيج ليقوموا بفروض للمشاركة والمساندة ـ بمناسبة القلوب الاعلان الأكثر رحمة وجمالا هو ما يغنيه ملائكة صغار لرسول الرحمة والإنسانية د. مجدى يعقوب.
ما عدا هذا فوسط حالة الهوس والصخب والجنون التى حولنا إليها أكرم وأعز شهور السنة انفجرت أحدث وقائع لأخطر دراما نعيشها وهى ذبح القانون وعدم المبالاة به وتحديه دون خوف أو اعتبار لحساب أو عقاب.. أتحدث عن الجريمة البشعة التى ارتكبت خامس ليالى رمضان عندما لجأت أسرة الطفل حمزة ضحية الاغتصاب بالمطرية رمضان الماضى إلى القانون تحتمى به وتطلب القصاص العادل للجريمة التى ارتكبت بحق إبنهم.. ولا أعرف كيف ينقضى عام فى جريمة بهذه البشاعة دون الفصل والحكم وكما فهمت من العرض الذى قدمه الإعلامى الكبير وائل الابراشى فى العاشرة مساء أن أسرة مرتكبى الاغتصاب حاولوا الضغط على أسرة حمزة للتنازل. ولما تمسك الأب المكلوم باسترداد حق ابنه بالقانون عوقب من أهل مرتكب الجريمة وهو يستعد لتناول السحور مع أسرته طعنا بالسنج والمطاوى حتى الموت تحت أعين زوجته التى اصيبت فى أثناء محاولة الدفاع عن زوجها وأولادهم الخمسة!!، يا أيها السادة.. الذى طعن وذبح قبل الأب الباحث عن حق ابنه هو القانون ـ وإن لم يكن هناك قصاص عادل وعاجل ومشدد ومعلن فلماذا يخاف أى مجرم أن يتحدى القانون ويسيل دماءه ويضع السنج والمطاوى على رقاب الجميع؟!. سؤال أوجهه لنفسى قبل أن يوجهه أحد لى ـ وكم من مذابح بشعة تمت للقانون والحقوق والعدالة تحت أعين مسئولين كبار وصغار.. وبتواطؤ ومشاركة؟!! قتل والد حمزة وخلط لقمة السحور بدمائه إعلان بحدود الخطر الذى وصلت إليه الجرأة على القانون وتحديه ودون مبالاة بدولة وأجهزة وحساب وعقاب بما يفرض المسارعة إلى اجراءات وتشريعات تطبق بحزم تعلن سطوة القانون بعدالة وبحسم وبلا تمييز وعلى الكبار قبل الصغار.
حق حمزة وحق أبيه هو حق مجتمع بكامله شرعنة وفساد القوة والسلطة نهبت أراضيه وأمواله وثرواته واستحقاقات أبنائه ولقمة عيشهم وصحتهم وأمنهم الغذائى والحيوى.. كل النهب والتدمير والتخريب والاهدار واللامبالاة خاصة بحقوق المواطن كان بقوانين جعلت القتلة والفاسدين يصنعون ويفرضون قوانينهم الخاصة.. وإن لم نقف وقفة جادة وحاسمة تعلن عودة وسيادة دولة القانون فلننتظر الأخطر والأبشع من جرائم تحدى القانون والخروج عليه!
أجمل ما تستطيعه الدراما القوية تغيير الواقع إلى الأفضل ما بال إذا عرفنا أن لدينا من الاذاعات والقنوات التليفزيونية عددا اعترف أننى لم أتخيله!! نشرت صحيفة الدستور فى 2 الحالى تصريحات للنائب عصام الفقى أمين سر لجنة الخطة والموازنة وفى إطار حديثه عن مخالفات ارتكبتها وزارة المالية فى بنود الموازنة العامة الجديدة وصلت إلى 400 مليار جنيه!! وأن 80% من خسائر الهيئات الاقتصادية بسبب المستشارين المنتدبين لهذه الهيئات وكشف النائب أن بين الهيئات الخاسرة التى تحمل أعباء خسائرها للمواطنين مثل هيئة السكك الحديدية لديها أصول ثابتة تجاوز المليارات ومخزون سلعى كبير!! وفى إطار حديث عن مديونية الهيئة الوطنية للإعلام قال النائب إن لدينا 60 إذاعة و23 قناة تليفزيونية بينما فى دول مثل فرنسا بها قناتان فضائيتان فقط!! ماذا لو هذا العدد الهائل من الإذاعات والفضائيات بفن ومهنية وإمتاع ومعلومات وخبراء ومتخصصين تعالج دون توقف قضايانا وهمومنا الحقيقية وفى مقدمتها كارثة وقنبلة الزيادة السكانية وما تناولته فى السطور الأولى عن مأساة اغتيال وذبح القوانين وشرعنة وحماية الفساد والفاسدين!!
> كان رمضان عندى أجمل شهور السنة وآمنت أن الخالق عز وجل ـ إلى جانب حكم كثيرة للصوم ـ أراد أن يغير قاعدة الزمان الثابتة طوال شهور السنة ويهدينا بالتغيير والروحانيات ودفء التواصل الإنسانى والتراحم علاجا نفسيا. وعشت طفولتى إذا أغمضت عينى طوال ليالى رمضان أرى حبالا من النور تمتد بين الأرض والسماء تصعد منها نداءات ودعاء المتعبين والمظلومين وأصحاب الحاجات وكانت تسالى رمضان مجموعة برامج إذاعية ومسلسلات اجتماعية ودينية وفكاهية لكبار الكتاب والمبدعين مثلها مثل التليفزيون.. ومع متغيرات سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية وإيمانية كثيرة اختطف منا رمضان الذى كنا نعرفه وتحول إلى شهر ترتكب بحقه الكثير مما نسمعه ونشاهده هذا العام!
> أرجو لا ينسينا الصخب والضجيج أبطالنا الحقيقيين الذين يصومون ويفطرون وهم يقومون بحماية حدود وثغور بلدهم.. وأيضا ذكرى انتصارنا العظيم بالأمس على العدو الصهيونى فى العاشر من رمضان.. وأيضا ألا ينسينا الصخب والضجيج توفير استحقاقات الملايين من أبطال الصمود البطولى بكل الظروف الصعبة والتحديات التى مرت ومازالت تمر بها بلدهم ودون احتياج إلى ما أطلق عليه إعلانات الاستجداء والتسول وإدراك واحترام ما يعيشونه من حرمان وقسوة ويشاهدونه من مظاهر ثراء وغنى ومنتجعات وقصور تملأ الشاشات.. وبعد أن أفقدنا الشهر العظيم معانيه الحقيقية وجعلناه شهرا للتناقضات والإسراف والمبالغات والمتاجرة بالمشاعر والآلام.
التعليقات