سمير عطا الله
عملت في الكويت ما بين 1981 و1983، أي عامين. عشت خلالهما شهر رمضان مرتين. وكان عهدي المرزوق يحرص أن أكون أول المدعوين إلى مائدة الشهر الفضيل التي تقيمها أسرة المرزوق كل يوم. بالنسبة إلي كانت تلك تجربة إضافية في المجتمع الكويتي الذي يعيش في تسامحٍ تام وبعيداً عن العصبيات التي راحت تظهر في الخليج فيما بعد. قبيل الإفطار بقليل، كان الصمت يسود على القاعة الفسيحة، إذ يبدأ الشيخ محمد متولي الشعراوي حديثه اليومي عن معاني القرآن. بالنسبة إلي كان ذلك درساً من دروس العمر. فالإصغاء إلى الشيخ الشعراوي متحدثاً لم يكن أقل روحانيةً من الإصغاء إلى الشيخ المنشاوي مرتلاً.
من يصغي إلى الشعراوي مرةً كمن ينهل من ينبوع المعرفة النهلة الأولى، أي لا بد أن يعود إليه على الدوام. ولعله كان يعرف تأثيره على سامعيه فيأخذ في «التجويد» على طريقته وبأسلوبه الذي لم يتكرر. ولعلّ في الصديق الشيخ خالد الجندي شيئاً من أسلوب المعلم الشعراوي. وربما هناك دعاةٌ فيهم بعض ما كان عليه من سعة علمٍ وأفقٍ وإيمان، لكن لم يتسنَّ لي مع الأسف أن أعرفهم. وفي مرحلةٍ ما كنت أتابع برنامج الزميل العزيز عماد الدين أديب كل يوم لأصغي إلى ضيوفه اللآلئ، وخصوصاً المشايخ والمفكرين الإسلاميين، الذين كان يستضيفهم باستمرار. ولا شكّ إطلاقاً بمقاماتهم العلمية ومراتبهم العالية، إلا أنني أشعر أن أسلوب الشعراوي في إيصال المعاني إلى الناس، لا مثيل له. ولعل ميزته الأولى في تقريب الأصول والجذور القرآنية إلى البسطاء أسهمت في حمل القرآن إلى أماكن بعيدة في العالم العربي وخارجه أيضاً.
عاش الشيخ الشعراوي 87 عاماً. لكن عندما تتأمل في كتبه التي فاقت المائة، وفي أعماله ونشاطاته ورحلاته وسنوات التدريس التي أمضاها في السعودية والجزائر، وبرنامجه التلفزيوني الساحر، ومحاضراته حول مصر والعالم العربي، ووظائفه العلمية والرسمية - بما فيها وزارة الأوقاف - عندها يخيّل إليك أن هذا العملاق عاش عشرات السنين. كانت في الشعراوي بلاغةٌ بينة أخرى هي طيبته التي حملها معه من الأرياف والنشأة الصافية. ولعل تلك سمة معظم أقرانه وأبناء جيله من الدعاة وحملة رايات السماح والتقوى. مثل كثيرين أيضاً من أولئك الأقران. صرف الشيخ الشعراوي كثيراً من وقته ومن ماله في عمل الخير، وأقام مؤسسةً خاصة تعنى بالمحتاجين والفقراء كل يومٍ وكل سنة، ولكن تصل أعمالها إلى ذروتها في مثل هذا الشهر، الذي تبرز فيه معالم الطيبة وشغف البر وترتفع فيه النفوس إلى مراتب النقاء والإحسان.
تحولت أقوال الشيخ إلى جزء من حياة عددٍ كبيرٍ من الناس. ولا تزال دروسه في معاني القرآن تعاد وتُستعاد على كثير من الفضائيات العربية. تماماً كما تحفظ التلاوات الجميلة التي لسبب أو لآخر، خرج معظمها من بلاد النيل.
التعليقات