عبدالله بن عبدالمحسن الفرج

تشير بيانات وزارة المالية الأميركية إلى أن روسيا قلصت موجوداتها من أذونات الخزينة الأميركية إلى أدنى مستوى منذ العام 2007. فروسيا التي كانت لديها العام 2010 استثمارات في تلك الأذونات 176.3 مليار دولار قد قلصتها في مايو الماضي 2018 إلى 14.9 مليار دولار، وهذا يعني أن احتياط روسيا من الدولارات الأميركية قد وصل إلى مستويات متدنية جدًا. بالمقابل فإن روسيا وحسب إحصاءات بنك روسيا، قد اشترت في النصف الأول من هذا العام 106 أطنان من الذهب، وهذه الزيادة الكبيرة لاحتياطات روسيا من هذا المعدن قد أوصل إجمالي احتياطها منه إلى 1944 طنا. وللمقارنة فإن احتياطي روسيا من الذهب العام 2008 كان عند 500 طن. أي أن روسيا قد ضاعف احتياطها من الذهب خلال العشرة أعوام الماضية 4 مرات تقريبًا، ولذلك فإذا ما استمرت وتائر الشراء على هذا المنوال فإنه من المتوقع أن يصل احتياط روسيا من الذهب بعد 4 أعوام إلى مستوى الاتحاد السوفيتي.

وهذا التصرف الروسي محل استغراب: فهي تتخلص من الدولارات في الوقت الذي يتوجه فيه سعر الدولار نحو الصعود، من ناحية أخرى تشتري الذهب الذي أصبح احتياطها منه مقيم بالدولار حوالي 80 مليار دولار، أي 17 % من إجمالي احتياطيها في حين أن سعر الذهب ينخفض، وهي بهذا تخسر من الجهتين، وليس ذلك وحسب، فروسيا بالإضافة إلى الذهب تعزز احتياطيها من العملة الصعبة عبر شراء اليورو الذي وصل إجمالي ما لديها منه 200 مليار دولار ليشكل 45 % من احتياط روسيا من العملة الصعبة، كذلك فإنها تشتري اليوان الصيني الذي خسر في الفترة الأخيرة، نتيجة الخلاف التجاري مع الولايات المتحدة، 7.5 % من قيمته، ولذلك فإن السؤال الذي يطرح نفسه بنفسه هنا: هل ذلك خطأ في الحسابات أم أن لدى روسيا حساباتها الخاصة؟

أعتقد أن الحسابات الروسية بعيدة المدى، وهذه الحسابات ليست بالضرورة كلها اقتصادية، إذ يبدو أن روسيا لا تريد أن تعطي أي جهة من الجهات ميزة قد تستخدمها ضدها، فهي ترفع احتياطها من اليورو لأن هناك أوراق ضغط اقتصادية متساوية بين روسيا وأوروبا، أما مع الولايات المتحدة فإن أوراق الضغط الاقتصادية الروسية متواضعة نتيجة أن حجم التبادل التجاري بين البلدين ليس كبيرًا، ولذلك فهي تخشى أن تستخدم استثماراتها في أذونات الخزينة كأوراق ضغط عليها، في حين أن ليس لديها أوراق مالية مماثلة تضغط من خلالها على الولايات المتحدة، فروسيا لا تخشى الولايات المتحدة عسكرياً ولكن مثلما نرى تخشها اقتصاديًا وبالدرجة الأولى ماليًا.