في قصة للكاتب الإيطالي البرتو مورافيا (1907 – 1990) فضلت البطلة أن تبقى في بيتها مسترخية أمام التلفزيون، وحدّدت ما ستشاهده سلفاً وبالتفصيل. قالت إنهم سيبثون نشرة الأخبار المصورة في الثامنة، يليها فيلم قديم من الخمسينات، ثم فيلم وثائقي عن الحيوانات ثم نشرة الأخبار من جديد. قالت أيضاً إنه سيتخلل ذلك بث الدعايات التي تبدو فيها سعادة الناس مرتبطة بالسلع التي تروّج لها، لكن فواصل الدعاية ستكون مناسبة لها لتناول عشائها، لأنها لا تتطلب التركيز الذي تتطلبه مشاهدة الأفلام أو نشرات الأخبار.

لم يكن زمن الفضائيات قد حلّ بعد يومها، ولم تكن لدى المشاهد خيارات في أن يتنقل بين محطات مختلفة، وبطبيعة الحال لم تكن «نتفليكس» وشبيهاتها قد ظهرت بعد، كي تستغني البطلة عن محطات التلفزيون كلها، وتنصرف نحو مشاهدة فيلم أو حلقات مسلسل متتابعة، فليست مضطرة لانتظار الغد أو بعد الغد وما يليهما، لمشاهدة كل يوم حلقة على نحو ما يفعل التلفزيون، ببث كل يوم حلقة.

هل نغبط بطلة القصة، أو نشفق عليها، لأن خريطة برامج المساء واضحة أمامها منذ البدء، وأنها هيأت نفسها لمتابعتها بالتوالي، أم نشفق عليها، لأن المتاح أمامها هو قناة واحدة، ولا خيارات أخرى كتلك المتاحة اليوم؟

في مناسبة اليوم العالمي للتلفزيون، الذي مرّ قبل شهر من الآن (21 نوفمبر/ تشرين الثاني) كتب الإعلامي مجدي القسوس يقول: «لا أزال إنساناً قديماً، هكذا أعتبر نفسي عندما أتعامل مع التلفزيون، لا يمكنني التخلي عمّا اعتدت عليه منذ صغري، أن أنتظر مسلسلي المفضل، أو نشرة الأخبار الرئيسية، أو برنامجاً يثري معرفتي في ساعة محددة، رغم أني لم أتجاوز الخامسة والثلاثين من عمري، إلا أن الالتزام الذي يضفيه التلفزيون على حياتي يطغى على مواكبتي لتكنولوجيا الشاشات الذكية في عالم البث».

هل يذكرنا قول الكاتب بحكاية بطلة قصة مورافيا؟. ليس بالضرورة، فهو من جيل آخر غير ذاك الذي عاشته البطلة، حكماً من الفترة الزمنية التي كتب فيها مورافيا قصته تلك، ولكنّ هناك أوجه شبه بينهما في طقوس مشاهدة التلفزيون والتعلق به.

الأمم المتحدة قالت إنها خصصت يوماً عالمياً للتلفزيون، اعترافاً بتأثيره المتزايد في عملية صنع القرار، ولدوره كوسيلة أساسية في إيصال المعلومة إلى الرأي العام والتأثير فيه، وأن غايتها لست الاحتفاء به كأداة بقدر ما هي الاحتفاء بالفلسفة التي تعبّر عنها هذه الأداة.

يذكرنا هذا بكتابٍ أصدرته قبل عقود مجموعة من الكتّاب الأمريكيين عن السياسة الأمريكية في ما وصفوه ب«عصر التلفزيون»، فهل لا يزال صحيحاً إدراج حاضرنا اليوم تحت خانة «عصر التلفزيون»، أم ترانا غادرناه؟