مصطفى زين&&

تعهد الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون تحويل "التعريف العالمي للمحرقة" اليهودية إلى قانون لمحاسبة كل مسيئ إلى الصهيونية واعتباره معادياً لليهود (إقرأ إسرائيل). ورضخ زعيم حزب العمال البريطاني جيريمي كوربن لحملة يشنها عليه اللوبي الإسرائيلي فأقر "التعريف". واتهم مسؤول في حزب نتنياهو البولنديين بالتعاون مع النازيين خلال الحرب العالمية الثانية، ما أثار أزمة بين البلدين الحليفين، ودفع المندوب البولندي إلى الإنسحاب من قمة لدول وسط أوروبا عقد في إسرائيل، بعد مؤتمر وارسو، تضامناً معها في مواجهة أعدائها.


هذا جزء بسيط من أحدث النشاطات الإسرائيلية في أوروبا، حيث المسألة اليهودية ما زالت حية، لا يترك الإعلام مناسبة إلا ويذكِر بها، وإن لم تكن هناك مناسبة يخترعها ويحولها إلى حملة تطاول اي جهة أو حزب أو شخص يتعاطف مع الفلسطينيين أو ينتقد العنصرية الصهيونية واستيلاءها على أراضيهم وطردهم من بلادهم.

في معنى آخر، ما زال النشاط الصهيوني في أوروبا يحيي "المسألة اليهودية"، في مناسبة ومن دون مناسبة لتقييد حرية أي مؤرخ أو كاتب وتهديده، ما يتعارض مع أبسط شروط البحث وحرية التساؤل والشك في المتداول للوصول إلى نتائج لا ترضخ للأهواء السياسية أو الشخصية. ولأن معظم ما يكتب في هذه المسألة متأثر بالروايات المتداولة ، وبعضها أسطوري مثل "الوعد الإلهي لليهود وأرض الميعاد"، وغيرها من "الحكايات" التوراتية، تصبح الأبحاث لاتاريخية لا تأخذ التحولات الإجتماعية والسياسة في الإعتبار، فنادراً ما نجد كتاباً أو مقالاً يركز على أن كراهية اليهود في الأوساط الشعبية الأوروبية يعود إلى ان هذه الجماعة لم تعمل في الأرض، وكان متمولوها شركاء للإقطاعيين في استرقاق الفلاحين وجباية الضرائب حتى منتصف القرن التاسع عشر، ثم أصبحوا الشريك الأساسي للدول الإستعمارية، كما كانوا الأساس في تعميم الخوف ونشر الأساطير في أوساطهم الشعبية للحض على الهجرة إلى "أرض الميعاد" بحماية ومباركة الجيوش الغازية. والعمل في الأرض والإرتباط بها من أهم العناصر في تكوين أي أمة، وقد ادرك الصهاينة ذلك فركزوا، وما زالوا، على إقامة المستوطنات ودعم المستوطنين مثلما ركز الأوروبيون على ذلك في مستعمراتهم الأميركية والإفريقية، وربطوا بين لدين والقومية في تشريع يستبعد "الأغيار" من اي ديانة أخرى من الإنتماء إلى البلد التي يعيشون فيها منذ آلاف السنين.

هذا المنحى من التفكير يغيب أو يُغَيًبُ عن الرأي العام الأوروبي، وينشر الإعلام والسياسيون واللوبيات الإسرائيلية الخوف في أوساط اليهود لحضهم على الهجرة إلى فلسطين. وتصريحات ماكرون (كان يعمل في مؤسسات آل روتشيلد) تساهم بقوة في هذه الدعاوة، وتذهب إلى أبعد منها فـ "التعريف العالمي للمحرقة" لا يورد عبارة "معاداة الصهيونية" مثلما ذكر الرئيس الفرنسي، بل ينص على "إنكار حق الشعب اليهودي في تقريرالمصير، أو القول إن وجود دولة إسرائيل عمل عنصري" معاد للسامية.

يكرس ماكرون والمسؤولون الأوروبيون والإسرائيليون الخوف من "معاداة السامية" كأنها "الخطيئة الأصلية" عند المسيحيين الذين يؤمنون بأن الإنسان يولد خاطئاً وعليه التكفير عن هذا الذنب بالإعتراف أمام الكاهن. وإذا كان هذا الإعتراف يولد الراحة النفسية لدى المؤمن فالإعتراف أمام نتنياهو يزيد القلق والخوف ويوقع في خطيئة العنصرية ضد الفلسطينين.

&