&الجمعي قاسمي

رغم حدة الملفات التي يزدحم بها جدول أعمال قمة تونس المُقبلة، فإنها مع ذلك لم تحجب التفاؤل بإمكانية تجاوز البعض من عناوينها الكبيرة، التي عملت السعودية على محاولة تفكيك عناصرها.

تتطلع المملكة العربية السعودية لتكون القمة العربية، التي ستنعقد في تونس في الـ31 من مارس 2019 وتتسلم خلالها تونس رئاسة دورتها الثلاثين، استمرارا لقمة الظهران وما خرجت به من مبادرات عملت السعودية على المضي فيها لتجاوز التحديات التي تواجهها المنطقة العربية، وهي تحديات تحتاج إلى التكاتف وتوحيد الكلمة والصف.

تونس -&بعد ثمانية أيام، وبالتحديد الأحد، الموافق للحادي والثلاثين من الشهر الجاري، تنتهي فترة رئاسة المملكة العربية السعودية للقمة العربية، التي تسلمتها في منتصف شهر أبريل من العام 2018، خلال القمة العادية التاسعة والعشرين التي عُقدت في مدينة الظهران.

ستُسلّم المملكة العربية السعودية رئاسة القمة العربية إلى تونس، التي ستستضيفها في دورتها الحادية والثلاثين، حيث بدأ العدّ التنازلي لعقدها وسط رهانات مُتعددة وتحديات جسيمة تواجه مُجمل المنطقة العربية على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية، وكذلك أيضا الأمنية والعسكرية.

حفلت هذه الفترة بين رئاسة السعودية للقمة العربية وانتقال تلك الرئاسة إلى تونس، على قصرها، بتطورات غير مسبوقة شهدتها أبرز الملفات العربية العالقة كالأوضاع في سوريا واليمن وليبيا والصومال، والمستجدات في الجزائر، وتطورات القضية الفلسطينية التي تبقى أولوية تفرض نفسها على كل القمم العربية.

ورغم حدة تلك الملفات التي يزدحم بها جدول أعمال قمة تونس المُقبلة، تماما كما ازدحمت بها قمة الظهران، فإنها مع ذلك لم تحجب التفاؤل ولو بحذر بإمكانية تجاوز البعض من عناوينها الكبيرة، التي عملت السعودية على محاولة تفكيك عناصرها التي تراكمت على طول السنوات الماضية.

وفي هذا التقرير، ترصد “العرب” أهم المحطات البارزة في رئاسة المملكة العربية السعودية للقمة العربية خلال العام الماضي، في علاقة بتلك العناوين المُعقدة بأبعادها السياسية والاقتصادية والأمنية، مستندة في ذلك على ثقلها الوازن في محيطها العربي والإقليمي والدولي.

وتميزت رئاسة المملكة العربية السعودية للقمة العربية، بتحديد أولويات التحرك على مستوى تلك الملفات، حيث كان لافتا في هذا السياق اختيار الملف الفلسطيني كعنوان أولي يستدعي المزيد من الاهتمام به، باعتبار أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية لكافة الدول العربية.

فلسطين أولوية ثابتة:&بدأت المملكة العربية السعودية رئاستها للقمة العربية في دورتها العادية التاسعة والعشرين التي عقدت في مدينة الظهران، بإعلان العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز خلال الجلسة الافتتاحية للقمة، عن تسمية القمة بـ“قمة القدس”.

وقال في كلمته الافتتاحية “ليعلم القاصي والداني أن فلسطين وشعبها في وجدان العرب والمسلمين”، مؤكدا في هذا السياق على أن القضية الفلسطينية “هي قضيتنا الأولى وستظل كذلك، حتى حصول الشعب الفلسطيني الشقيق على جميع حقوقه المشروعة وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية”.

ودعم ذلك التأكيد بالإعلان عن تبرع المملكة العربية السعودية بمبلغ 150 مليون دولار لبرنامج دعم الأوقاف الإسلامية في القدس، و50 مليون دولار لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا).

محطات بارزة في رئاسة السعودية للقمّة العربية

وبلغ حجم الدعم المالي والمساعدات الإنسانية والتنموية والمجتمعية الذي قدمته السعودية لفلسطين خلال الفترة ما بين عامي 2000 و2018، أكثر من 6 مليارات دولار، بالإضافة إلى ما تعهدت به من تمويلات أخرى.

وقدمت السعودية 264 مليون دولار لترميم وإنشاء الوحدات السكانية، و365 مليون دولار لتنفيذ مشروع سكني في رفح، و111 مليون دولار للمراكز والخدمات الطبية، و165 مليون دولار لمشاريع التعليم والمدارس، و18 مليون دولار لمشاريع الأمن الغذائي، و250 مليون دولار لدعم الأسر والأيتام والجرحى، و300 مليون دولار للجنة الوطنية لإغاثة الشعب الفلسطيني، ومبلغ 42 مليون دولار لمشروعات إنشائية.

وبالتوازي، تحركت الرئاسة السعودية للقمة العربية على مستوى المحافل الإقليمية والدولية دعما لفلسطين والدفاع عنها وذلك في إطار متابعة تنفيذ قرار قمة الظهران، حيث تتالت التأكيدات على أن القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين الأولى، وعلى ضرورة دعمها ودعم صمود الشعب الفلسطيني وحقه في إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفق القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، ومبادرة السلام العربية.

وترافقت تلك التأكيدات مع إدانات واضحة للانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في الأراضي الفلسطينية، ورفض قاطع لجميع السياسات والممارسات والخطط الإسرائيلية الباطلة وغير القانونية، إلى جانب مطالبة المجتمع الدولي بتوفير الحماية للشعب الفلسطيني، وتنفيذ القرارات الدولية القاضية بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي والانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة، بما فيها الجولان العربي السوري والأراضي اللبنانية.

الملف اليمني:&عملت السعودية خلال رئاستها للقمة العربية على تأكيد التزامها بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وأمنه وسلامة أراضيه، مؤيدة كل الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل سياسي للأزمة في اليمن، وفقا للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وقرارات مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل تنفيذا لقرار مجلس الأمن& 2216.

وكثيرا ما دعت خلال الفترة الماضية المجتمع الدولي إلى العمل على تهيئة كافة السبل لوصول المساعدات الإنسانية لمختلف المناطق اليمنية، مُحملة في نفس الوقت الحوثيين كامل المسؤولية حيال نشوء واستمرار الأزمة اليمنية والمعاناة الإنسانية التي عصفت باليمن. وتؤكد أن العملية العسكرية، التي تخوضها في الوقت الحاضر بالتعاون مع شركائها من دول التحالف في اليمن، تستهدف استعادة الشرعية، وإنقاذ الشعب اليمني من قوى الظلام.

ولم تتوقف عن تقديم مساعدات إنسانية للشعب اليمني، منها إطلاق مشروع (مسام) لنزع الألغام بمبلغ 40 مليون دولار، بشراكة على أرض الميدان مع البرنامج الوطني اليمني لنزع الألغام، إلى جانب إرسال العشرات من السفن والشاحنات المحمّلة بالمساعدات.

محاربة الإرهاب:&أكدت السعودية على أن من أخطر ما يواجه عالمنا اليوم هو تحدي الإرهاب الذي تحالف مع التطرف والطائفية لينتج صراعات داخلية اكتوت بنارها العديد من الدول العربية، مجددة الإدانة الشديدة للأعمال الإرهابية التي تقوم بها إيران في المنطقة العربية، معلنة رفضها لتدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية للدول العربية. كما أدانت محاولاتها العدائية الرامية إلى زعزعة الأمن وبث النعرات الطائفية لما يمثله ذلك من تهديد للأمن القومي العربي وانتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي.

جامعة الدول العربية:&طرحت السعودية خلال قمة الظهران مبادرة للتعامل مع التحديات التي تواجهها الدول العربية بعنوان “تعزيز الأمن القومي العربي لمواجهة التحديات المشتركة”، مؤكدة على أهمية تطوير جامعة الدول العربية ومنظومتها، وذلك إيمانا منها بأن الأمن القومي العربي منظومة متكاملة لا تقبل التجزئة.

وتبعا لذلك عقد في العاصمة التونسية المنتدى العربي الأفريقي للحدّ من مخاطر الكوارث في 12 أكتوبر 2018 وذلك بالتعاون بين جامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الأفريقي ومكتب الأمم المتحدة للحدّ من مخاطر الكوارث.

جهود سعودية للوصول إلى حل سياسي للأزمة في اليمن

واندرج ذلك المنتدى في إطار متابعة قرارات قمة الظهران التي اعتمدت الاستراتيجية العربية للحد من مخاطر الكوارث 2030 وآلية التنسيق العربية في هذا الشأن، وهو ما جعل الوطن العربي في موقع متقدم من حيث إنشاء الإطار المؤسسي الإقليمي للحد من مخاطر الكوارث وإجازة خارطة الطريق العربية لتنفيذ إطار “سنداي” في المنطقة العربية.

الأمن الثقافي العربي:&رحبت المملكة السعودية بما توافقت عليه الآراء بشأن إقامة القمة العربية الثقافية، آملة أن تسهم في دفع عجلة الثقافة العربية الإسلامية. وفي 15 أكتوبر 2018، عقدت بالقاهرة أعمال مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي في دورته الـ21، والتي أقيمت بالتعاون مع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وبمشاركة 19 دولة عربية، وذلك في إطار المساعي التي تقوم بها الجامعة العربية للإعداد لعقد قمة عربية ثقافية تحت عنوان “الأمن الثقافي العربي”.

البعد الاقتصادي:&أولت السعودية اهتماما بالغا بالملف الاقتصادي العربي، حيث ترأست في 18 يناير 2019، الاجتماع المشترك لوزراء الخارجية والوزراء المعنيين بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري للقمة العربية التنموية، الاقتصادية والاجتماعية، في دورتها الرابعة على المستوى الوزاري.

وتمت خلال ذلك الاجتماع متابعة مبادرة العاهل السعودي بزيادة رؤوس أموال المؤسسات المالية العربية المشتركة والشركات العربية المشتركة بنسبة لا تقل عن 50 بالمئة والتي أخذت طريقها إلى التنفيذ فور صدور القرار الخاص بها.

وساهم ذلك في تعزيز قدرات تلك المؤسسات لتلبية الاحتياجات التنموية المتنامية للبلدان العربية، وقد استكملت صناديق ومؤسسات التمويل العربية زيادة رؤوس أموالها بنسبة لا تقل عن 50 بالمئة، كما أن العديد من الشركات العربية المشتركة تسير في نفس الاتجاه.

وتتطلع إلى تنفيذ مشاريع في مجال البنية التحتية، منها مشروع الربط الكهربائي العربي الذي تحققت فيه العديد من الإنجازات، منها استكمال الربط الكهربائي بين كل من مصر السعودية، ومن المتوقع أن يبدأ تشغيل المشروع في 2021، والتوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء السوق العربية المشتركة للكهرباء.

&

&