& علي الخشيبان&

من يعتقد أن إيران كانت في يوم من الأيام تسعى إلى العيش سياسياً في المنطقة بشكل طبيعي فهو مخطئ، لأن نتائج هذا النظام الخطيرة أكبر من كل الصور التي يمكن مشاهدتها في هذه المنطقة..

عبر أربعة عقود مضت من قيام الثورة الإيرانية في العام 1997م، ثبت للعالم وبشكل واضح أن السلوك الإيراني السياسي يتجاوز المفاهيم الدولية الخاصة بعلاقات الدول الطبيعية بين بعضها، فالنظام الإيراني لم يتوانَ في إثبات رغبته الدائمة إلى تصدير ثورته التي شكلت جزءاً أساسياً من الاستراتيجية الإيرانية، ولعل الفكرة الأكثر انتشاراً في هذا التوقيت تدور حول التعامل الأفضل دولياً مع هذا النظام؟ الذي يعلن انحرافه السياسي في المنطقة ويتسبب في خلق الكثير من المشكلات ليس للمنطقة وحسب ولكن للعالم أيضاً.

السؤال الأهم اليوم يدور حول أبرز المشكلات التي تسبب في وجودها النظام الإيراني خلال الأربعة عقود الماضية؟ إيران تاريخياً تتبنى الكثير من المشكلات إقليمياً ودولياً ومن أكثرها بروزاً على الساحة السياسية: قيام النظام الإيراني في تقديم الدعم المادي والمالي للإرهاب والتطرف، التدخل في سورية والمساعدة على ارتكاب فضاعات ضد الشعب السوري، دعم حزب الله في لبنان والمتمردين الحوثيين في اليمن، التدخل في العراق، التدخل في القضية الفلسطينية وتعزيز الفرقة بين الفصائل هناك، التهديدات المتكررة لحرية الملاحة في المنطقة، القرصنة المعلوماتية وتنفيذ عمليات هجوم إلكتروني عبر دول العالم، انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة، القتل والإعدامات العشوائية، القمع الوحشي للشعب الإيراني، بناء الميليشيات ذات النهج الطائفي ودعمها لتكريس الفوضى في كثير من الدول، ممارسة نشاطات ثقافية وأيديولوجية مناهضة للاستقرار، تهديد دول المنطقة عسكرياً وتنفيذ عمليات إرهابية عبر وكلاء من الخارج والداخل.

على المستوى الدبلوماسي أيضاً عملت إيران على التعامل مع الدول بنهج لا يعطي قدراً مناسباً لاحترام علاقات الدول ببعضها وفقاً لمنهجية العلاقات الدولية السليمة، فعمدت إلى منهجية المراوغة السياسية وعدم الوضوح في تبني المواقف والعمل بشكل دائم على التملص من الالتزامات واللعب بنار الطائفية وتوجيه الثروة والمقدرات الاقتصادية للشعب الإيراني ليس من أجل البناء ولكن بهدف تعزيز عدم الاستقرار في المنطقة بأكملها، وقد أدت هذه النتيجة إلى إدراك العالم لخطورة هذا النظام وسلوكه غير المنضبط مما أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية على هذا النظام ساهمت في انهيار شبه كامل للاقتصاد الإيراني.

على المستوى العسكري ساهم النظام الإيراني وبهدف الإخلال بالتوازن الاستراتيجي العسكري على بناء برامج عسكرية تشكل في حقيقتها خطراً على المنطقة والعالم، وجاء البرنامج النووي الإيراني ليثبت للعالم أن هذه الدولة تسعى بكل جدية إلى التصعيد في المنطقة عبر برنامجها النووي وتطويرها المستمر للصواريخ البالستية، ولو تمكنت إيران فعلياً من الحصول على قنبلة نووية خلال السنوات القادمة فسيكون ذلك منعطفاً خطيراً لتكريس فكرة التسلح النووي في المنطقة بأكملها.

هكذا يبدو المشروع الإيراني الداعي إلى زعزعة المنطقة وخلق المشكلات وتقويض الاستقرار، فخلال العقود الأربعة الماضية طورت إيران من أهدافها في اتجاه واحد تمثل في العمل بعيداً عن الداخل الإيراني وتم تحويل المكاسب الاقتصادية والأموال نحو مشروعات سياسية تعتمد خلق المشكلات وإدارتها عبر الميليشيات كما هو في العراق واليمن ولبنان وسورية، فهل بقى بعد ذلك من أدلة توحي أنه لم يعد هناك شكوك بأن إيران تستحق لقب الدولة التي تسعى إلى إقلاق المنطقة وزعزعة استقراها.

اليوم يشهد العالم حشداً عسكرياً في منطقة الخليج كما يشهد الشرق الأوسط نشاطاً دبلوماسياً عبر المؤتمرات واللقاءات الثنائية بين الدول، والسبب خلف هذا النشاط ما تسببت به إيران، فهذه النتيجة التي نحصل عليها اليوم ليست وليدة اليوم بل إن المنطقة والعالم يحصدون نتائج الثورة الإيرانية بسلوكها الأيديولوجي ونظرتها المتطرفة، لقد أغلقت إيران خلال العقود الأربعة الماضية كل أبواب الحوار والتعامل كدولة طبيعية، ومن يعتقد أن إيران كانت في يوم من الأيام تسعى إلى العيش سياسياً في المنطقة بشكل طبيعي فهو مخطئ، لأن نتائج هذا النظام الخطيرة أكبر من كل الصور التي يمكن مشاهدتها في هذه المنطقة..

لا أحد يمكنه التنبؤ بما سوف يحدث خلال الأيام القادمة لأن إمكانية قيام الحرب أصبحت توازي إمكانية عدم قيامها، وكل ما سوف ينتج من تلك الحرب من أزمات ستكون إيران تاريخياً وسياسياً المسؤول الوحيد عنها، فالمعطيات السياسية ثابتة بأن إيران كانت وما زالت تقف خلف التوترات التي تحدث في المنطقة وهذا ما جعل العالم اليوم يبحث وبشكل جدي عن أفضل الوسائل للتعامل مع هذا النظام، فقد تكون الحرب الأداة الوحيدة المتاحة والمناسبة لتقديم العلاج الفعلي للنظام الإيراني.