&عبدالله بن بخيت&

كلمة "الدراما السعودية" فيها نظر. عندما نقول الحكومة السعودية، فنحن نشير إلى مجموعة من الرجال والنساء من مواطني السعودية. عندما نقول المنتخب السعودي، فنحن نشير إلى مجموعة من اللاعبين من مواطني السعودية، وهكذا. أما في مسألة الدراما فالأمر مختلف. كم عدد العاملين السعوديين الذين أسهموا في صناعة مسلسل العاصوف أو شباب البومب أو بدون فلتر.. إلخ؟ عندما تتابع التتر "صفحة المقدمة" ستجد سيطرة الأسماء غير السعودية على الجوانب الفنية، حتى أصبحت المسألة قدرية، الذين يقفون أمام الكاميرا سعوديون، والذين يقفون خلف الكاميرا غير سعوديين.

مخرج العاصوف فلسطيني أردني، ولا أعرف عن هذا المخرج كثيرًا، وهذا يثير سؤالا مهما: منذ متى أصبحت الأردن أفضل من السعودية في صناعة الدراما؟ أرجو ألا يفهم القارئ أن سؤالي له علاقة بالسعودة، أردت أن أبدأ منه لإثارة قضية مهمة جدا.

عدد الممثلين السعوديين - كما يقول الفنان خالد سامي ساخرا - لا يكفون لإقامة صلاة جمعة، ورغم تدني عددهم لا يوجد بينهم سوى ثلاثة أو أربعة محترفين. هؤلاء الثلاثة أو الأربعة احترفوا التمثيل لا لأنهم الأفضل، ولكن قدر الله لهم أن يصبحوا ممثلين ومنتجين في الوقت نفسه.

ساقنا هذا إلى مشكلات عدة: أولا لم يسمح بظهور شركات إنتاج محترفة مستقلة. كل مسلسل شاهدناه منذ عشرات السنين تم تفصيله على الممثل الذي يملك المؤسسة التي تنتجه. يضعه على مقاسه وقدراته، وبما يحقق له أكبر قدر من الأرباح. أدى هذا بطبيعة الحال إلى الاحتكار، وتغييب روح المنافسة بين الممثلين أنفسهم. أصبح كل مجموعة من الممثلين تابعين للممثل الذي يملك مؤسسة الإنتاج، يدورون حيث يدور، هو فرصتهم الوحيدة للعمل. مسألة تفتقر إلى العدالة؛ حيث أصبح مستقبلي رهينة في يد منافسي في المهنة.

أسهم هذا أيضا في بروز ظاهرة سيئة أخرى: غياب المخرج السعودي عن المسلسلات السعودية المهمة. طالما أن الممثل صار منتجا، فلماذا لا يصبح المخرج منتجا أيضا. فبدأ كثير من المخرجين السعوديين، الذين اشتهروا ولو نصف شهرة، في فتح شركات إنتاج. صاروا ينافسون الممثل المنتج. معظم هؤلاء المخرجين السعوديين كانوا في الأصل أجراء عند الممثلين، وعن طريقهم عرفوا الطريق لاقتناص التعميدات. الأرباح لا تقسم على اثنين في عالم الدراما السعودية. المنتج سواء كان مخرجا أو ممثلا يريد كامل الهبرة في جيبه. قاد هذا إلى أن صار المسلسل الذي يملكه مخرج سعودي يعتمد على ممثلين صف ثانٍ، وفي المسلسلات التي ينتجها الممثل سيكون هذا الممثل بطلا للعمل لا محالة. ففقد كثير من الممثلين السعوديين فرصهم ليكونوا أبطالا لأعمال مستقلة، واستمروا دائما صفا ثانيا أو "كومبارس".

ظاهرة لم يسع أحد إلى تفكيكها، أدت إلى تدني مستوى كثير من الأعمال الدرامية السعودية. المشاهدة العالية التي تحققها المسلسلات السعودية لا تعود إلى جودتها، ولكن إلى محدودية عددها. "ما في ها البلد إلا ها الولد".