& ياسر الغسلان

لا تحتاج أن تذهب بعيدا لتعرف أن إيران مسؤولة عن عملية استهداف ناقلتي النفط في مياه الخليج العربي مؤخرا، فبإمكانك التأكد من ذلك خلال تصريحات إيران ذاتها، والتي تدين نفسها دون أن تعي. فقد صرح مسؤولون إيرانيون منذ أيام بادعائهم أن إيران هي الدولة المسؤولة عن أمن مضيق هرمز، وهو موقف -إن فرضنا جدلا أنه صحيح- بإمكانه أن يعني أحد المعنيين: فإما أن إيران ليست على مستوى المسؤولية في أداء واجبها الذي تدّعيه، والذي يتضمن منطقيا الحماية لجميع العابرين في مياه الخليج، وعليه فدورها في ادّعاء المسؤولية أمر لا يمكن القبول به، لضعف الأداء وفق النتائج الظاهرة وعمليات التخريب التي تتم في مياه تقول إنها مسؤولة عنها. وإما أنها مسؤولة كما تقول بالفعل عن كل ما يجري في الخليج، ولديها القدرة في التحكم بالظروف، وبالتالي فلا يمكن تصور حدوث تلك العملية التخريبية وما سبقها من عمليات استهدفت ناقلات على سواحل الإمارات، دون دراية منها وإشراف، فكيف يمكن أن تكون مسؤولا ولا تعلم بما يجري في حديقتك الخلفية؟!

إيران اليوم، في ظل حالة الضغط الأميركية والعربية والإسلامية، تلعب لعبة خطرة، وتقامر بمصير المنطقة لإثبات موقف تعلم قبل غيرها أنها لن تخرج منه سالمة، فعلى الرغم من أن هذا الكيان العدائي تمكّن لعقود من البقاء بشكل شبه متماسك في وجه العزلة الدولية، وفي ظل قبضته الحديدية على شعبه، إلا أن قواعد اللعبة تغيّرت اليوم، فأصبحت تلك القواعد -وإن بدت للمراقب العادي أنها خلقت نوعا من التوازن بين أميركا والحلفاء العرب والمسلمين من طرف، وإيران وروسيا والصين من طرف آخر- إلا أن العملية في ظل الموازين الدولية يمكن النظر على أنها أقرب لمواجهة كسر عظام منها إلى تكتيك مرحلي يمكن تجاوزه مع مرور الوقت.

قراءة الموقف الإيراني لا يمكن النظر إليه بمعزل عن واقع التحالف السياسي مع الروس والاقتصادي مع الصين، فكل الأطراف لديها خصم واحد هو أميركا، وتحديدا الرئيس ترمب، وعلى الرغم مما يثار حول العلاقة الودودة بين الرئيس الأميركي والروسي من جهة، وارتباطات ذلك بتحقيق مولر وخطاب اليسار، وبين ترمب والرئيس الصيني من جهة أخرى، إلا أن عملية كسر العظام على ذلك المستوى العالي للهيمنة على خارطة العالم الجديد هي الركيزة الأساسية التي بنيت عليها هذه المواجهة التي تبدو للعيان على أنها إيرانية أميركية. فالروس ما زالوا يحلمون بالانتقام لانهيار عظمة معسكرهم الشرقي الماضي، وإعادة أمجاد امبراطورية القياصرة، والصين بكل نرجسيتها الثقافية والعسكرية والحضارية، تعمل على الهيمنة الاقتصادية على العالم رغم أنف العم سام.

ولكن، إن عدنا إلى التركيز على الموقف «الميكرو» في هذا الصراع الإقليمي، نجد أن إيران هي من وجهة النظر الأميركية البحتة مجرد «بروكسي» سياسي للمصالح الروسية بشكل أكبر والصينية بشكل أقل، وعليه فالنظر إلى الأزمة مع إيران باعتبارها فقط مسألة تخص إيران والخليج، أمر فيه شيء من التبسيط.&

فكما أن إيران -ومن خلفها روسيا- أدارت دفة الوضع في سورية حتى تمكّنت من أن تجبر الأطراف الدولية على التفاهم لإيجاد حلول وفق الأسس التي يقبلان بها، فإن التعامل مع الأزمة الإيرانية -إن صحت تسميتها بذلك- لا يمكن أن يكون إلا خلال التفاهم مع الأطراف المستفيدة من حالة التوتر هذه.&

فالصين تحصل بموجب حالة العزل الأميركي لإيران على النفط بأسعار لا تحلم بها، تدعمها في مسعاها للهيمنة الاقتصادية على العالم، وروسيا تتمتع بقواعد عسكرية ومختبرات تجربة لأسلحتها الجديدة، ومسرحا لاستعراضها دون أن تتكبد عناء المواجهة، إضافة إلى مناكفة أميركا وإفهامها أن العالم لم يعد يدور فقط حول فلككم أنتم وحدكم. وفي الوقت ذاته، كلتا الدولتين «روسيا والصين» تعملان على إقحام خصمهم اللدود ترمب وأميركا في عملية استنزاف عسكري وسياسي دولي وداخلي، خصوصا مع الضعف الواضح في قدرة ترمب على جمع المساندة الداخلية وحلفائه الأوربيين خلفه، بعد أن قام دون تشاور بالانسحاب الأحادي الجانب من الاتفاق النووي الإيراني.

ترمب من جانبه يعلم علم اليقين أن الدخول في مواجهة عسكرية ضد إيران، هو في الحقيقة اختبار مواجهة مع خصميه الروسي والصيني، ولو كان الأمر بيده -ومن خلفه كونجرس وعدد من الحلفاء الرئيسيين في أوروبا- لربما كان دفع باتجاه لغة أكثر مواجهة مع إيران، وربما التهديد العلني بضرب مصالح طهران وأرضها، إلا أن الظروف على أرض الواقع لا تخدم الرئيس الأميركي بالشكل الذي يتمناه، فلا الداخل معه ولا الحلفاء يغفرون له التصرف الأحادي، والتعامل معهم وكأنهم مجرد دول تابعة، إلا أنه في الوقت ذاته يعلم تماما أن السياسة لعبة، وأن «فن الصفقات» هو ما صنع نجمه في أعين مريديه ومعجبيه.&

فالوصول إلى تسويه مع إيران -من وجهة نظر الرئيس- هو خلال بوابة روسيا والصين، وعقد الصفقات مع الدول التي تلعب سياسة يعدّه ترمب تخصصه، ومن يرى في الرئيس ترمب رئيسا أتى ليعلن حربا جديدة أو مستعدا لها، لربما عليه إعادة تقييم الأمور. فالرئيس لا يفهم إلا لغة الصفقات، وبأي ثمن ما دامت تحقق له الربح والانتصار حتى لو كان يعني ذلك التنازل، وتحويل خصومه إلى أصدقاء، ولنا في كوريا الشمالية مثال.

هذه الحالة المتوترة، بكل ما تحمله من تداعيات وظروف، لا يمكن معها إنكار أن النظام الذي يحكم إيران هو صورة طبق الأصل لميليشياته في اليمن وسورية ولبنان. والفساد الذي أدخله على المنطقة لا يمكن التعاطي معه إلا باعتباره مرضا يجب اقتلاعه، ويبقى السؤال الجوهري: هل الدواء في واشنطن أم يا ترى في موسكو وبكين؟!