&المثنى حمزة حجي&

منذ نشوء وعيي السياسي لم أتوافق مع آراء جماعات الإسلام السياسي بمختلف تصنيفاتها في أي وقت، بل كنت دائماً بجانب «الوطنية الليبيرالية»، ولم أصدق تنظير جماعة «الإخوان المسلمين» السياسي والديني حول الإخوّة والمصلحة الإسلامية والتكامل الإسلامي، ليس لعدم اعتقادي كمسلم بضرورة تكاتف المسلمين، ولكن لكثرة ما كنت أرى من متناقضات بين القول والفعل، بالتالي كان لدي دائما إحساس أن لديهم مشكلة كامنة في الأعماق.


على رغم كل «الإسلامويات» التي أصدرها «الإخوان» حول فلسطين وضرورة تظافر المسلمين لتحريرها، كان دائما لدي شك وتأكدت شكوكي أكثر بعد قراءة أدبيات «السياسة الإخوانية» التي اعترتها شماتة شديدة ضد جمال عبدالناصر بعد هزيمة حرب 1967 الساحقة، وروح التشفّي الشديدة بتدمير الجيشين المصري والسوري، وعلى رغم فداحة هذه الهزيمة ونتائجها فقد أعلن أحد السابقين منهم أنه «سَجَد» شكراً لله بعد هزيمة مصر، وبرر ذلك لأنه خاف لو انتصر عبدالناصر لافتتن الناس بالعلمانية والوطنية، لذا هو فضل الهزيمة الساحقة، لأن هذا سيعيد الناس للدين من وجهة نظره، ولم يهتموا بالضحايا من أبناء جيوش الأمة العربية ولا اقتصادها أو معنويات أبنائها الذين تعرضوا للانهيار، أما مرشد اللاحقين فقال إنه «مستعد أن يحكم مصر من ماليزيا»، وعندما انتقدوا نقص ولائه لمصر على رغم أنه من أبنائها قال: «طز في مصر»، أما في غزة المحاصرة فخرج علينا أحد قادة «حماس» أخيراً ليقول: إن «غزة بالنسبة لهم هي مجرد سواك أسنان، وأن مشروعهم الحقيقي أكبر من ذلك بكثير».

لم يكتفِ «الإخوان المسلمين» بهذه الآفة، بل ورّثوها للثورة الايرانية التي أصبحت بدورها ثورة طائفية شيعية زرعت في شيعة المنطقة، سواء داخل إيران أم الدول المحيطة، الثورة الطائفية بطريقة حولت أغلب الطائفة إلى حزب سياسي وعسكَرَتها، بحيث أصبح الدين والوطن لديهم محصوران فقط في الطائفة التي يقودها ملالي طهران، ما جعل شيعة العراق ولبنان واليمن يتحولوا لميليشيات نابَت عن إيران في خوض حروب داخلية دمرت بلادها وحولتها إلى مستعمرات طائفية للمرشد الايراني، مما قتل وشرد الملايين في هذه الدول ودمر كيانها السياسي والاجتماعي، وما حقق ذلك هو «الولائية» العابرة للحدود السياسية والقومية التي وضعتها جماعة «الإخوان المسلمين» السنة وأتبعها وطبقها حزب «الدعوة» العراقي الذي يمثل «الإخوان المسلمين» الشيعة الذين فرّخوا «حزب الله» وأغلب الميليشيات الإرهابية المذهبية، سواء الشيعة الجعفرية أم الشبيه لها والمتحالفة معها كالحوثية والعلوية والجارودية، فهذا الشبل من ذاك الأسد.

في الوقت الدي تعج فيه منصات التواصل الاجتماعي «بالشيعية السياسية» من جميع الدول العربية والخليجية بالتأييد لإيران وتمجيدها وتبرير جرائمها أو التستر عليها، بل هم أكثر انتماءً لإيران من الفرس، تجد «السنية السياسية» من «الإخوان» وأشباههم يحملون عداء مروع للسعودية، ففي كل مرة نسمع بحملة إعلامية غربية ضدنا أو تهديد إيراني أو قصف صاروخي حوثي للسعودية نجد لديهم نبرة شماتة وحقد، فبعد عقود من نفاق للحكومة السعودية، لعلهم يسيطرون على المناصب والأموال فيها، تحولوا إلى فرقة شماتة وتحريض، بل انقلبوا حلفاء لإيران والحوثي، بل إن أحدهم قال إنه يتوقع «تحرير» الحرمين الشريفين من سيطرة السعودية بواسطة جيش من «إخواننا الشيعة»، على حد وصفه، قادم من اليمن، هذا الشخص ليس رجلاً جاهلاً مجهولاً، بل ابن إحدى الشخصيات «الإخوانية» الكبيرة في إحدى الدول العربية، بالتالي أصبحنا نتعرض لهجوم وتقريع وشماتة من أغلب هذه الجماعات، بل إن منصات التواصل الاجتماعي زاخرة بالأفراد الهُلاميين الذين لا يملكون أي قيمة فكرية أو ثقافية نصبوا أنفسهم موجهين وناقدين للسعودية، وإن قلنا أن تأييد جماعات «الشيعية السياسية» لإيران هو لأسباب تتعلق بالمعتقد يظل من غير المفهوم أو المقبول تهجم جماعات «السنية السياسية» علينا وتبنيهم للمواقف الإيرانية الارهابية العدوانية.

السبب لهذا الهوس العدائي ضدنا هو «الصحوة الجديدة» التي نمر بها للتخلص من الركام الفكري الذي جاءت به «الصحوة القديمة»، فتحولت السعودية بقدرة قادر إلى هدف للتخريب من هذه الفئة نفسها، ونسوا أن اقتصاديات واستقرار جميع الدول العربية بل والعالم قائمة بشكل مباشر وغير مباشر على استقرار السعودية والخليج واقتصادهم، ولكن هؤلاء لا يوجد لديهم مشكلة طالما أنهم مُنِعوا من إدارة دفة السياسة في هذه البلاد، فهم جماعة سياسية مهووسة بالسلطة فقط، بالتالي لامجال للاستغراب من تحيّز أغلب الليبيراليين في العالم العربي للحكم العسكري أو حتى مدني علماني مستبد ضد حكم «الإخوان» الإسلامي، إذا ما كانت المقارنة القَدَرية هي الاختيار ما بين الأول أو الثاني فقط، فقد أثبتت التجربة أن «المستبد العلماني» أهون ألف مرة من «المستبد الديني»، فالنتائج الشخصية لأن يعتبرك المستبد العسكري «معارض سياسي» أهون من أن يعتبرك المستبد الديني من «الكفار الخوارج» إذا عارضت سياسته، كذلك أن باب الإصلاح، ولو البطيء، يظل مفتوحاً أكثر في حالة المستبد العلماني أو العسكري من حالة المستبد الديني الذي لن يترك مجالاً للاستماع لآراء من يعتبرهم كفار أو خوارج، هذا إذا سمح المستبد الديني لهؤلاء الكفار بالبقاء على قيد الحياة.

جماعة «الإخوان المسلمين» هو تيار لا ينتمي لا إلى دين ولا إلى وطن، بل إلى مشروع «طوباوي» لا يعرف أحد أين يبدأ ولا أين ينتهي، وقد أفسدوا الحياة الاجتماعية في السعودية أكثر من 30 ثلاثين سنة عبر ما أسموه بـ«الصحوة»، فحرّموا كل شيء على المجتمع، في الوقت الذي كنا -نحن اللبراليون- نريد أن نعيش حياة عائلية طبيعية ضايقونا حتى في الأماكن العامة والمطاعم بحجة «حماية أخلاق المجتمع»، والذي ثبت في النهاية عدم صواب اعتقادهم بفساد المجتمع.

لطالما طالب المثقفون تدريس المنطق والفلسفة والاجتماعيات وتاريخ وتطور أفكار الحضارة الغربية و«الصحوة الحقيقية» التي حدثت في أوروبا في عصور النهضة حيث قادتهم صحوتهم إلى التقدم، أما صحوتنا المزعومة فقادتنا نحو الانغلاق على تراث كان مناسبا لزمانه فقط، وتلقى كل من انتقد الصحوة المزعومة اتهامات بالتغريب والتكفير، وتم اعتبارنا بوقا للثقافة الغربية.

على رغم أن الظاهر من المواجهة في المنطقة هو الجانب العسكري والأمني، لكن تظل المشكلة في أصلها فكرية، فالخطاب الفكري لهذه الجماعات هو خطاب تبشيري تسعى من خلاله إلى بناء طبقات من التحالف والتنظيمات التي سرعان ما تتحول إلى ميليشيات عابرة للحدود السياسية والقومية وقادرة على تدمير الدول وهو ما نشاهده عملياً، بالتالي يجب على المثقفين السعوديين المتابعة الدقيقة للتيارات الفكرية على الساحات الإعلامية والفكرية ومنصات التواصل الاجتماعي في المنطقة والرد عليها لوقاية أبناءنا والأجيال القادمة من هذا الفكر الخطر.