&فارس بن حزام&&

مثل مصر، لم تخض دولة معارك شرسة ضد الإرهاب في منطقة محددة لأكثر من ثماني سنوات، وما زالت مستمرة، وبلا مؤشرات على قرب نهايتها. إنها تخوض الحرب المجهدة منفردة، لا قوى دولية تدعمها، ولا رأي عام عالمي يشرح موقفها.


طوال عقود، عانت مصر من الإرهاب، وواجهته بقوة، وجندت لمعاركه مقدرات الدولة ومبدعيها، وعندما كان يضرب على طول ضفاف النيل من الجنوب إلى الشمال في عقدي الثمانينات والتسعينات، كانت شبه جزيرة سيناء تستيقظ وتنام في سكون تام، لا إرهاب يعرفها، ولا حكومة تلتفت إلى تنميتها، وعندما قضي على الجماعات، واستسلمت وتراجعت نهاية عام 1997، مضت مصر في سلام تام قبل أن ينتقل الإرهاب إلى سيناء، ويسكن فيها 15 عاماً إلى يومنا هذا، والبداية عبر ثلاثة حوادث أعوام 2004 و 2005 و 2006 ضربت المواقع السياحية، وخلفت العشرات من الضحايا السياح، وكانت كما الولادة؛ كل تسعة أشهر. كان الألم قاسياً على مصر، الإرهاب استهدف تاج سياحتها وينبوع اقتصادها.

بدت سيناء بيئة مناسبة للفوضى؛ تضاريس جبلية صعبة، وغياب أمني فرضه اتفاق السلام مع إسرائيل، سمح بانتشار تجارة غير مشروعة بدأت بالسلاح فالمخدرات، وقادت إلى الإرهاب. في السنوات الأولى كانت تلك التجارة دخلاً مالياً جيداً لمنتفعين كثيرين، من تجار إلى عاملين. واجهت مصر السلاح والمخدرات، فبدأ الإرهاب رسمياً، وأوقف المئات، وصدرت أحكام بإعدام العشرات وسجن الكثير، وتالياً ذهب الرئيس مبارك إلى حلين؛ مصالحة شاملة مع سيناء، موقفاً أحكام الإعدام، ومطلقاً سراح محكومين، وأفسح لجماعة "الإخوان" ليدخلوا البرلمان عام 2005، وبعدها عاشت سيناء سلاماً شاملاً خمسة أعوام، نجحت خلاله السلطة في إعادة ضبط الوضع في شبه الجزيرة، قبل أن ينهار كل شيء مطلع عام 2011، وتتحول قوى الأمن والجيش إلى هدف أول للعمليات الإرهابية المؤلمة، وجاء حكم الرئيس مرسي، وأعفى عن السجناء بصفقة لصالح "الجماعة"، وطار حكمه فتدهور الأمن، وارتفعت وتيرة الإرهاب إلى درجة غير مسبوقة، وبانتظام شبه يومي، وفي الأعوام الأخيرة، تمكنت السلطة من تحييد الجماعات الإرهابية، وحصر وجودها في شمال سيناء، فجنبت جنوبها من أنشطتها، وحمت مدنها السياحية، لكن جيشها وأمنها ما زال ينزف بهجمات مؤذية.

وعلى رغم طول زمن الإرهاب في سيناء، ما زالت حربها خارج وجدان المصريين، ولا تحضر إلا بالقليل وفي حدود الأخبار، وعند الأسف على ضحايا الجيش والأمن، والنقد لجماعة "الإخوان". بدا شمال سيناء المعزول عسكرياً، معزولاً تماماً عن هموم المواطن، وإلى يومنا لم تحول مصر حربها هذه إلى قضية وطنية شاملة، كما فعلت في إرهاب العقود الماضية، واليوم نشهد من كانوا في سن العاشرة عام 2011، قد باتوا وقوداً لهذه الحرب المديدة.
&