& شخصياً عاصرت الصحافة التقليدية من مكتوبة ومرئية في عزّ سطوتها، وعشت زمناً كان فيه الصحافي بالنسبة إلى المجتمع مميزاً لأنه صاحب قضية، أما اليوم ومع كثرة وسائل الإعلام وتراجع المستوى، وطغيان المصلحة الشخصية على المصلحة العامة، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح كل فرد بإمكانه أن يكون إعلامياً يبث من قلب الحدث.


إن النظرة المميزة إلى صاحب الرأي والكلمة قد سقطت، ولا شك في أن ممارسات بعض الصحافيين والإعلاميين أسهمت في هذا السقوط بشكل كبير، فبعضهم لم يكن في مستوى الرسالة الملقاة على قلمه، فساهم من حيث يدري أو لا يدري، عن قصد أو عن غيره في تدهور مهنة الإعلام، أما البعض الآخر فاشتغل في المؤسسات الإعلامية طلباً للشهرة دون أدنى اهتمام بقضايا الناس، والبعض الأخير لا يملك موهبة وفهماً، بل شهادة إثبات جامعية، فعمل على «تطفيش» المواهب الحقيقية.

أما آخرون فدخلوا حقل الإعلام وتسلقوا السلم من أجل منزل، وسيارة، ورصيد في البنك، وأما ما ينفع الناس فجعلوه مطية للصعود، وأما الموهوبون المبدعون فيحفرون الصخر وهم بحاجة للمساعدة.. يا ناس!

فكم من شخص تولى مسؤولية مؤسسة إعلامية، فتسبب في هروب أقلامها ومواهبها، وقضى على مستقبلهم واستبقى المصفقين والمسبحين بحمده، فلماذا إذا يجعل الصحافي من نفسه «فأر تجارب» لهذه المرحلة أو تلك، وقد يخسر مستقبله بسبب جهل مدير أو غيرة موظف عديم الموهبة؟

والسؤال هنا: هل إعلامنا قوي على المستوى المحلي والعربي حتى لا أقول على المستوى العالمي؟ وهل سألت أصدقاءك في الخليج أو الوطن العربي الشاسع، عما إذا كانوا يتابعون قنواتنا أو صحافتنا المحلية؟، وكم من إعلامي تقرؤون لهم بشكل دائم؟

كيف سوف يؤثر إعلامنا في العالم إذا لم يؤثر محلياً على الأقل؟.. لا تحدثني عن الشركات التي (يُدفع لها) للحديث عن مدى تأثير بعض قنواتنا أو صحفنا لأن (كله بحسابه).

نحن نمتلك الإمكانات ولكننا ضعاف في المحتوى، ونحن بحاجة إلى كشّافي مواهب، وليس إلى مسؤولين تحكمهم الوظيفة والشهادة، ويسألونك عن الحضور والانصراف ولا يسألونك عن الإبداع!

اختفت المسارح والإذاعات والصحف المدرسية، التي كانت تشجع النشء على الإبداع، ومقابل ذلك تمتلئ جامعاتنا بطلاب الإعلام، ولكن أغلبهم يتحولون إلى موظفين تدعمهم الدولة وتقدمهم كواجهة وكقوة ناعمة تؤثر في المستوى المحلي والخارجي..!