&زهير الحارثي

&نحن بحاجة لأصوات اعتدال تمد الجسور مع الآخر، وتنحاز للحوار والتسامح والتعايش لتقطع الطريق على أصوات النشاز المتطرفة، فما مر به العالم من أحداث أعطى فرصة سانحة للمزايدين والمتطرفين بتكريس المواجهة والعداء والخلاف بين الثقافات والأديان والشعوب..

في عالم اليوم يحث الجميع الخطى للمساهمة في تشكيل قسمات هذا العالم، كون التواصل مع بعضنا البعض بات ضرورة وليس ترفاً. الآخر ليس المقصود به الغرب فقط بل كل من هو خارج إطار حدودك.

الحوار أصبح هو الأداة الناجعة في أي اتصال إنساني كونه يفرز عادة مواقف متباينة ما يثري النقاش، إلا أن البعض يجعل منه فرصة للسيطرة والتباهي. وهذا يعود، فيما أرى، إلى تركيبة البعض الثقافية التي غالباً لا تستسيغ الفكر المخالف لرؤيتها. الثقافة الأحادية، كما نشهدها في كثير من بلداننا العربية يتولد عنها جو من الاختناق، وبالتالي المصير هو التقوقع وعدم القدرة على التوازن، وهذا ينعكس بالتالي على طبيعة العلاقات الاجتماعية ناهيك عن التعاطي مع الآخر في ظل تفسيرات واجتهادات غير مبررة ما كان لها لتحدث لو ارتهنت للحوار. سر النجاح يكمن في أن يكون المرء مستقيماً لا نافعاً، والاستقامة تعني هنا العدالة؛ أي قدرة الموازنة بين القناعة الذاتية وتقبل الاعتقاد المخالف. هي معادلة تحتفظ بالمضمون (الاعتقاد الذاتي) والمزاوجة مع تفاعل الآخر (الرأي المخالف) في مساحة تسمح بالتفاعل وتبادل الإيقاع بين الطرفين.

بات من المهم التخلص من فخ مفهوم المؤامرة والانسلاخ من مقولة، إن الغرب يتربص بنا أو بالإسلام، وتعليق أخطائنا وخلافاتنا على شماعة الغرب الذي لا يعنيه شيء إلا مصالحه، وعلينا أن نعامله بالمثل مرتهنين إلى العقل والانفتاح ونسبية الأشياء. ولكي نصل لهذا المستوى من الوعي، من المهم تعويد الذات على احترام الرأي المخالف مهما كانت النزعة والاتجاه، ما يقتضي منا القيام بحركة نقد معرفية للثقافة والعقل، تحدد من جديد تلك العلاقات التي تربطنا بأنفسنا وبالعالم من حولنا، فالدور للعقل وليس للعاطفة، وإن كان العقل دائماً، هو ضحية القلب كما يقال.

بلادنا التي تعيش عصراً جديداً هي جزء من هذا العالم لا تستطيع الانفصام عنه، كونها لا ترضى بمقعد المتفرج والعالم من حولها يتغير. يتزامن ذلك مع تحول نعيشه اليوم وثورة معرفية قادمة في المناهج وطريقة التعليم بتطويره وتجديده عبر إدخال الفلسفة والموسيقى والسياسة وغيرها من الآليات الجديدة في التدريس، بل وإعادة كتابة أحداث التاريخ كما كانت وليس كما يراد لها أن تكون، وهذه نهضة نوعية في التعاطي مع طبيعة ونوعية التعليم وكيفية تنشئة الجيل القادم، وستكون انعكاساته لافتة ومؤثرة في دولة ستلعب في السنين القادمة دوراً ريادياً ومفصلياً في المنطقة وتكون نموذجاً يحتذى به.

ومع ذلك وفي جانب التعاطي مع الآخر ينبغي أن نعترف أننا اليوم كمؤسسات نخبوية ووفود رسمية وقطاعات حكومية وثقافية مازلنا نفتقد إلى الكثير من الأدوات حينما نتعامل مع الآخرين أو نتحاور مع من لديهم وجهات نظر مختلفة تجاه بلادنا. يتضح ذلك في لقاءاتنا وزياراتنا وحواراتنا إلا من رحم ربي.

كفاءات قليلة من تتوفر لديها تلك القدرة والتأهيل وهي بلا شك لم تأت عبثاً بل من خلال تدريب مستمر وممارسة طويلة وجهد كبير. الحوار هو وسيلة أساسية في تقارب الشعوب، ما يقطع الطريق على كل دعوة متطرفة لشرخ التواصل الإنساني، ولذلك خطابنا الرسمي دائماً ما يؤكد هذه الفكرة، ودعمتها القيادة بالتركيز على القواسم المشتركة التي تجمع بدلاً من التشبث بالاختلافات التي تُفرق.

زيارات مسؤولينا لدول العالم لها مردود إيجابي سواء فيما تتعلق بالتعاون المشترك وإثراء التجارب المهنية وتبادل الخبرات بين تلك الوزارات ومثيلاتها في الغرب أو حتى بالجانب الأكثر أهمية، وهو إعطاء الصورة الحقيقية عن المملكة ما يساهم في تغيير الصورة النمطية عنا. ولعل إرسال وفود من مؤسسات المجتمع المدني أكثر فاعلية وإنتاجية من غيرها وقادرة على إيصال الرسالة. ليس المقصود هنا الدفاع الانفعالي عن قضايانا ومحاولة إيجاد التبريرات، وإنما الانطلاق لحوار راقٍ ينقل الواقع الحقيقي بأسبابه الموضوعية، وأننا لسنا أوصياء على الآخرين.

نحن بحاجة لأصوات اعتدال تمد الجسور مع الآخر، وتنحاز للحوار والتسامح والتعايش لتقطع الطريق على أصوات النشاز المتطرفة، فما مر به العالم من أحداث أعطى فرصة سانحة للمزايدين والمتطرفين بتكريس المواجهة والعداء والخلاف بين الثقافات والأديان والشعوب.