&&طوني فرنسيس&

لا تنفذ القوانين تلقائياً، فهي تحتاج من يطبقها ويتولى فرضها وتعميمها. وإذا كان الانسان بطبعه ميالاً إلى عدم التقيد بالقانون، فالسلطة المكلفة مسؤولة عن جعله منصاعاً، ذلك أن الانضباط العام يبدأ من أعلى إلى أسفل، فإذا كان المسؤول مخلاً، سيسود الإخلال بالنظام العام المجتمع كله، أما إذا كان ملتزماً الخدمة العامة، فسنرى نتائج عمله راحة وانضباطاً اجتماعيين في بلد طبيعي مزدهر ومتقدم.


لم يكن لبنان في تاريخه الحديث، منذ زمن متصرفية جبل لبنان (1861- 1920) ثم في عهد الانتداب الفرنسي (1920- 1943) ثم في عهد الاستقلال وضمنه مرحلة الوصاية السورية، خارج إطار نظام المحاصصة الطائفية. ولم يولد هذا النظام فجأة، بل جاء نتيجة واقع وحاجة فئات متنوعة تعيش في منطقة واحدة هي جبل لبنان أولا، ثم لبنان الكبير لاحقاً. وهدف ذلك النظام الى توفير الطمأنينة لتلك الفئات الخارجة من محنة الصراع الطائفي والمذهبي على امتداد عقدين كاملين (1840-1860). وفي صيغته الأولى، ارتكز الى مجلس إدارة يترأسه متصرف أجنبي ويتوزع أعضاؤه الـ 12 على الطوائف المختلفة وفق حجم كل منها. وابقى الانتداب الفرنسي على جوهر هذه الصيغة مع تعديلات عمل لتكون في خدمته، وفي العهد الاستقلالي تكرست الصيغة عبر توزيع المراكز الأولى في الدولة بالعرف، ثم جاء اتفاق الطائف ليجعلها دستوراً، وفي المراحل الثلاث كانت مقتضيات الوفاق والعيش المشترك بين فئات متنوعة جوهر النظام وتطبيقاته.

طوال عقود، كان نظام المحاصصة الطائفية في لبنان موضع انتقادات، لكن البدائل الأفضل لم تتبلور في اتجاه يلغي هيمنة الطوائف على الدولة. ويتضح من مسار نظام فاق عمره قرناً ونصف القرن، أن مشكلته لم تكن تحديداً في طبيعته الطائفية، بل في الأشخاص والقوى المتنفذة في كل طائفة ومذهب.

لقد أتاح النظام هذا بناء مؤسسات عامة، جعل ثباتها وتطورها ينعش مفهوم الدولة. وفي كل مرحلة كان يتضح حجم الدور السلبي او الإيجابي الذي يمكن الشخص المسؤول ان يلعبه. ففي مقابل متصرف يعيده رنين الفلوس على ضريحه إلى الحياة، برز وكيل المتصرفية عيد حاتم مرجعاً للعدالة والقانون على مدى أربعين عاماً. وفي مقابل زعيم بقي مع التركي حتى لحظة استسلام تركيا ثم عرض نفسه لخدمة الفرنسيين، ظهر رجال رفضوا الاحتلال الفرنسي مثلما رفضوا مثيله التركي. وفي عهد الاستقلال جعل فؤاد شهاب بناء دولة المؤسسات هدفاً، فيما كان غيره يبيعها مزارع، وصولا إلى المرحلة السورية حيث تحوّل سياسيون كثراً إلى شركاء وأزلام لضباط الاستخبارات في صفقات المال والسياسة والتسلط .

ليس النظام اللبناني مسؤولاً بوصفه وصفة لحكم طوائف مجتمعة، وها نحن نشهد جهوداً في العراق وسورية للتماثل معها... المسؤول هو من يتولى السلطة ، وفي لبنان عدد من الأشخاص لا يتعدى أصابع اليدين يمكنهم تحويل مسار وطن بكامله لو تمثلوا بعيد حاتم أو فؤاد شهاب.