&عبدالله بن بخيت

&

&أشرت يوم أمس الأول إلى مشكلة تعاني منها الساحة الثقافية في المملكة.. التبس على كثير من الناس مصطلح دراما حتى صار الكثير يخلط بين الاسكتشات التي تقدمها الأعمال التلفزيونية السعودية في الثلاثين سنة الماضية، وبين فن الدراما.

ما شاهدناه في الأعوام الماضية يسمى باللهجة الشعبية "عيارة"، في معظمه كان يقوم على تقليد لهجات، ممثل متخصص في تقليد اللهجة الحجازية والآخر متخصص في اللهجة القصيمية والثالث متخصص في اللهجة الجنوبية والرابع متخصص في اللهجة السودانية والخامس متخصص في اللهجة اليمانية؛ يصاحب ذلك طريقة لبس وحركات، يزداد الأمر سوءاً أن كل المسلسلات السعودية تأتي في حلقات متقطعة. كل حلقة منفصلة عن الحلقة الأخرى تذكرك بالتمثيليات المدرسية، هذا التوجه في التمثيل السعودي الذي ساد في الثلاثين سنة كوّن عند المشاهد السعودي قناعة أن التمثيل السعودي سخرية وإضحاك، لا يصلح إلا بعد الفطور برمضان، يتسلى به بعد أن ابتهج بتناول الإفطار إثر صيام نهار كامل؛ تؤجل الرغبة الكامنة في النفس للفن إلى ما بعد صلاة التراويح والجلوس المريح، عندئذ تبدأ القنوات الفضائية بعرض الأعمال الدرامية.. لك أن تختار من أعمال درامية كويتية، أعمال درامية مصرية، أعمال درامية سورية، أعمال درامية تركية.. إلخ (لا يوجد بينها مسلسل سعودي واحد).

إنتاج الأعمال التلفزيونية السعودية لا يمكن أن يعرض إلا في رمضان، وبعد الإفطار مباشرة. لا يوجد وقت محدد تجتمع فيه العائلة السعودية في حالة نفسية ميالة للمرح وتستمرئ الاسكتشات المضحكة المتسمة بالروح الطفولية إلا في حالة الارتخاء الشديدة التي تنتج عن تناول الإفطار بعد صيام طويل.

وفي تطور آخر أسوأ من سابقه، صاحب هذه الاسكتشات نمط تمثيلي آخر كنت أسميه زوايا صحفية ممثلة؛ تم نقل مواد كتبت في تقارير صحفية أو مقالات إلى التلفزيون. نقد الصحة ونقد المرور ونقد الجوازات.. أصبحت قيمة هذه الأعمال في حدة النقد المنطوي فيها.

أخيراً صار مفهوم العمل الدرامي عند الأجهزة الداعمة للإنتاج التلفزيوني كوزارة الإعلام إما أن تكون مادة للإضحاك أو مادة لنقد الخدمات الحكومية أو مناكفة التيارات الدينية.

من يفكر أن يقدم عملاً تلفزيونياً عليه أن يقدم هذه المواد، ومن حسن الحظ أن اختفت دواعي المناكفة مع التيارات الدينية، هذا التكريس للاسكتشات أدى إلى غياب كامل لشيء اسمه دراما في المملكة.

لا أعلم عن الإنتاج التلفزيوني في معظم البلاد العربية، ولكني على ثقة أن المملكة العربية السعودية هي الدولة العربية الوحيدة التي لا يوجد فيها دراما؛ ما يخيفنا أن تنتقل هذه الآفة إلى صناعة السينما الوليدة.

في دراستي التي سأطرحها قريباً سوف أقارب هذا الموضوع، وأطرح بعض الحلول للخروج من هذا الفخ.