&ماجد الجميل&

في 11 كانون الأول (ديسمبر) المقبل ينتهي أمد ولاية اثنين من قضاة هيئة تسوية المنازعات في منظمة التجارة العالمية ليبق قاض واحد فقط. لكن توقيعه لن يكون كافيا لإصدار أحكام المنظمة، بمعنى: لن تكون هناك، من الناحية القانونية، هيئة قائمة للفصل في المنازعات بين أعضاء المنظمة.
وسيصل عضوان في هيئة الاستئناف هما، أوجال سنج بهاتيا، وتوماس جراهام إلى نهاية أمد خدمتهما في 10 كانون الأول (ديسمبر) 2019، ليتركا منظمة التجارة بعضو واحد فعال في هيئة الاستئناف هو هونج زهاو.

ويراقب اللاعبون التجاريون الوضع عن قرب، لأن إعاقة الولايات المتحدة، منذ عدة أشهر، تعيين هيئة جديدة للاستئناف، ستشل حتما نظام تسوية المنازعات التجارية في غضون ثلاثة أشهر من الآن.
هذا الوضع دفع سفير الاتحاد الأوروبي لدى المنظمة، مارك فانهاوكلين، إلى التحذير في وقت مبكر من أن المنظمة "في أزمة"، مضيفا أن "هناك حاجة عاجلة إلى تثبيت نظام تسوية المنازعات على وضعه الحالي قبل الحديث عن إصلاحه".
وأضاف "إذا لم تضع الولايات المتحدة في نهاية العام حدا لعرقلة نظام التحكيم في المنظمة، فسيفقد هذا الكيان التجاري الضخم أهميته".
في الأصل، فإن عدد قضاة منظمة التجارة سبعة وليسوا ثلاثة، لكن الولايات المتحدة ما زالت منذ 18 شهرا تعوق تعيين قضاة جدد ليحلوا محل الذين تنتهي فترة ولايتهم. كما رفضت تمديد ولاية قضاة لفترة ثانية وهو ما يسمح به القانون. حتى الآن، أدت الإعاقة الأمريكية المتعلقة بتعيينات هيئة الاستئناف إلى تقلص عدد أعضاء الهيئة السبعة إلى ثلاثة أعضاء فقط، وهو الحد الأدنى المطلوب للفصل في النزاعات التجارية والاستئناف في منظمة التجارة.
حسب أحكام منظمة التجارة، يتم تعيين أعضاء هيئة تسوية المنازعات لمدة أربعة أعوام، مع إمكانية تجديد ولايتهم لدورة ثانية من أربعة أعوام، إذا تحقق إجماع على ذلك بين الأعضاء الـ164.
لكن إذا استمرت الولايات المتحدة صامدة في موقفها إلى ما بعد 10 كانون الأول (ديسمبر) 2019، فستشل هيئة تسوية المنازعات، لأنه لن يعد لديها ما يكفي من القضاة اللازمين للتوقيع على أحكامها.
لإنقاذ الموقف باستعادة الأداء السليم لهيئة الاستئناف الخاصة بالمنظمة، قدم الاتحاد الأوروبي في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي ورقة تدعو إلى تمديد فترة عمل أعضاء هيئة الاستئناف من أربعة إلى ستة أو حتى إلى ثمانية أعوام، على أن يتم تطبيق المبدأ بدءا من الأعضاء الحاليين لهيئة تسوية المنازعات بهدف تجنب المأزق الحتمي المقبل في 11 كانون الأول (ديسمبر) المقبل.
لكن الولايات المتحدة رفضت المقترح، واصفة الخطة الأوروبية بأنها "غير كافية"، وواصلت طريق إعاقة تعيين قضاة جدد أو منح ولاية ثانية للقضاة قبل انتهاء ولايتهم الأولى.
الخطة الأمريكية واضحة: شل النظام القضائي في منظمة التجارة، ولا تخفي واشنطن ذلك، إذ تتهم إدارة الرئيس دونالد ترمب هيئة تسوية المنازعات بتجاوز سلطاتها بإصدار أحكام تقول إنها تنتهك السيادة الوطنية.
تقول واشنطن أيضا إن أعضاء الهيئة الحاليين قد تجاوزوا ولايتهم من خلال اتخاذ "مواقف ناشطة تبتعد أحيانا عن الموضوعية" وكذلك الوصول إلى "نتائج غير ضرورية في التحكيم" وإصدار "آراء استشارية".
وتتهم واشنطن هيئة الاستئناف بتجاهل القواعد، التي وضعها أعضاء المنظمة، ويشمل ذلك الموعد النهائي الإلزامي لإصدار الأحكام، وإصدار فتاوى غير ضرورية لحل النزاع، وتعامل الهيئة مع أحكامها الأولية التي أصدرتها باعتبارها "سابقة قانونية"، وتبنيها "أحكاما متناقضة" في قضايا ذات طبيعة واحدة بعد لجوئها إلى مبدأ السابقة القانونية.
وفي هذا الإطار، قال دينيس شيا، نائب الممثل التجاري الأمريكي في جنيف، خلال نقاشات متوترة في هيئة تسوية المنازعات "إن أعضاء الهيئة الحاليين تجاوزوا ولايتهم من خلال اتخاذ مواقف ناشطة تبتعد أحيانا عن الموضوعية، وكذلك الوصول إلى نتائج غير ضرورية في التحكيم وإصدار آراء استشارية".
وأضاف "وجهة نظرنا أن التمديد يعني مساءلة أقل .. لا يمكننا أن ندعم مقترحا يجعل من هيئة الاستئناف أقل مساءلة". وتقول الولايات المتحدة، "إن أعضاء الهيئة الحاليين تجاوزوا ولايتهم من خلال اتخاذ مواقف ناشطة تبتعد أحيانا عن الموضوعية، وكذلك الوصول إلى نتائج غير ضرورية في التحكيم وإصدار آراء استشارية".

وردت دول على الولايات المتحدة بوجود فرق بين الأحكام، التي تحدد أحكاما سابقة على أنها "ملزمة"، والأحكام التي تستخدم أحكاما سابقة "كتوجيه واسترشاد" لهيئة الاستئناف، وفرق التحكيم بمجرد الإشارة إليها.
وأكد أعضاء آخرون أنه كثيرا ما تلجأ دول المنظمة، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، إلى الأحكام السابقة عند تقديم حججها أمام فريق تحكيمي أو هيئة الاستئناف.
ويوضح بعض الأعضاء أن المادة الثالثة من نظام هيئة تسوية المنازعات تؤكد على وجه التحديد دور نظام تسوية المنازعات في توفير الأمن وإمكانية التنبؤ بتطورات النظام التجاري متعدد الأطراف وأن الإشارة إلى الأحكام السابقة، حسب الاقتضاء، تساعد على اضطلاع الهيئة بذلك الدور.
وعد عدد من الأعضاء الآخرين، مثل الصين، المخاوف الأمريكية بشأن عمل هيئة تسوية المنازعات، بأنها لا يمكن أن تكون سببا أو مبررا لاستمرار إعاقة تعيين قضاة جدد في الجهاز القضائي للمنظمة.
جاء جواب الاتحاد الأوروبي بتقديمه مقترحا ثانيا تحت عنوان "ورقة نقاش" يقضي بزيادة عدد أعضاء هيئة الاستئناف من سبعة إلى تسعة، ومنح مزيد من الموارد المادية والبشرية لأمانة هيئة الاستئناف، كرد على مخاوف الولايات المتحدة من أن الهيئة قد تجاوزت ولايتها.

وأشار الاتحاد الأوروبي إلى أن منظمة التجارة تمضي الآن في عملية تؤدي إلى شلل سمة فريدة من نوعها لهذه المنظمة، هي تسوية المنازعات. وقال نحن بحاجة إلى أن نجد طريقا للعودة إلى سبعة أعضاء في هيئة تسوية المنازعات.
وهيئة الاستئناف، التي يشار إليها في كثير من الأحيان تحت مسمى "المحكمة العليا للتجارة العالمية"، لها القول الفصل في إصدار الأحكام، وتعديلها، أو حتى قلبها في النزاعات التجارية، التي غالبا ما تؤثر في بعض أكبر الشركات في العالم، وتتضمن أحكامها مليارات الدولارات.
وتابع سفير الاتحاد الأوروبي لدى منظمة التجارة، أن "الهيئة يجب أن تكون مزودة بالموارد، التي تحتاج إليها لإنجاز مهمتها، لأنه ليس في مقدروك أن تطلب من أشخاص أن يعدوا حكما من 400 صفحة في أربع ثوان، هذا ليس كلاما جديا".
وأضاف "في الوقت الراهن، هيئة تسوية المنازعات تعمل بثلاثة قضاة لمعالجة 11 استئنافا، والمزيد آت .. يستحيل على هؤلاء القضاة التعامل مع مثل هذه القضايا خلال 90 يوما".
الأمر ميئوس منه تماما، والتشاؤم بلغ، روبرتو أزيفيدو، المدير العام للمنظمة حين حذر الدول الأعضاء من خطر إنهاء نظام تسوية المنازعات التجارية، الذي حظرته الولايات المتحدة منذ شهور، قائلا إنه لم يعد يفصلنا عن كانون الأول (ديسمبر) سوى ثلاثة أشهر فقط.
وأشار إلى أن أعضاء المنظمة "يعملون جاهدين من أجل إيجاد حل لكسر الجمود في الوقت المناسب لتجنب الشلل.. لكنهم بدأوا يدركون أن عليهم أيضا أن يعملوا على رؤية لا يمكن فيها إيجاد حل لكسر الجمود". وقال "إذا لم يكن لدينا نظام لتسوية المنازعات يعمل بشكل صحيح، فالعمل الذي نقوم به سيتعرض للخطر".

وقال سفير الاتحاد الأوروبي لدى المظمة: إذا لم يتم تعيين قضاة جدد بحلول كانون الأول (ديسمبر) المقبل، فسنضع إجراءات التقاضي في شلل وعدم الأهلية. بدون الجهاز القضائي، سيتم الطعن في سير عمل منظمة التجارة العالمية بأكمله. وأضاف: "لا آمل ولا أؤمن أن 2019 سيكون عاما قاتلا لمنظمة التجارة في حالة تعطل نظامها القضائي، لكنه بالتأكيد عاما حاسما قد تتشوه فيه سمعة المنظمة وتفقد بعض مصداقيتها".