&عبدالجليل معالي&&

&الرئيس التونسي الجديد، الذي فاجأ تونس والعالم بصعوده إلى سدة الرئاسة، يوجد اليوم في مفترق التطلعات الشعبية والسياسية، في الداخل وفي الخارج.> ما يصنع «فرادة» نموذج قيس سعيّد، أنه أولا قدم من خارج المنظومة السياسية التونسية التي ألفها الشعب وملَّ خطابها وعقم خياراتها، وثانيا أنه قدّم خطابا مختلفا، في شكله ومضمونه، عن الخطاب السياسي المألوف.


الصورة التي قدّمها الرئيس الجديد زادت منسوب الحذر في الداخل كما في الخارج العربي خاصة.. الحذر كان مشروعا بقدر حجم الاختلاف الذي قدمه سعيّد في أكثر من ملمح، وما عزَّز دواعي الحذر التونسي والعربي هو ما أبدته أطراف إسلامية من سعي إلى امتطاء صهوة الخطاب الذي قدمه سعيّد، لكن هذا لم يمنع من القول: إن خطاب سعيّد في مضمونه العربي كان واعدا.

لقد أكّد على وجوب احترام الدولة التونسية لتعهداتها الخارجية في مستوى الاتفاقيات الدولية، وهنا قطع مع الأصوات الشعبويَّة التي ادّعت قربها منه (ائتلاف الكرامة)، ونادت بإعادة صياغة العلاقات مع فرنسا وفق رؤية متشنجة تدّعي تأميم الثروات الطبيعية.

وشدد سعيّد، خلال إطلالته الأولى بعد انتخابه، قائلا:«زيارتي الأولى ستكون إلى الجزائر، وأتمنى أن تتاح الفرصة لزيارة ليبيا»، مضيفا:«تونس ستتعامل باحترام لإرادة الشعب الليبي»، وأنها تتعامل باحترام مع إرادة الشعوب، وأن قضية إسقاط النظام في سوريا هي شأن سوري داخلي، و أن نهج تونس في التعامل مع كل الدول سيظل على حاله دون تدخل أو وصاية.

هنا كان سعيّد وفيا لتقاليد الدبلوماسية التونسية، التي اختطها الزعيم الحبيب بورقيبة، والتي تقوم على الحياد الإيجابي وعلى عدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وإذا كانت المسائل الدبلوماسية من صميم صلاحيات الرئيس، حسب النظام السياسي المعتمد في تونس، فإن على سعيّد أن يمدّ يده للفضاء العربي، وأن يطمئن الأشقاء والأجوار وأن يبتعد عن خطاب قسم كبير من الذين دعموه وينتظرون لحظة توظيفه لصالح خياراتهم الأيديولوجية.

سيُمتحن سعيّد في أكثر من مجال، لكن العلاقات العربية لتونس ستكون اختبارا شاملا لصدقية ما قدّمه من إشارات مطمئنة، أولا: للتأكد من فك ارتباطه مع الإسلاميين، وثانيا ليؤكّدَ أن تونس تسعى إلى تثبيت موقعها في فضائها العربي.

لقد عُرف سعيّد بإتقانه اللغة العربية وبطلاقة لسانه، وما عليه إلا أن يكون مرنا ومنسابا في علاقاته العربية بقدر تشبثه بلغته وإجادته لها.