&أحمد أميري&


بالإعلان عن مقتل «البغدادي» في هجوم أميركي، تساءل بعضهم عن الوريث لساعة الـ«رولكس» التي اشتُهر بها في أول ظهور علني له وهو يخطب في مسجد بمدينة الموصل. فهناك اعتقاد بأن التنظيمات الإرهابية من صنع أجهزة استخبارات لتمرير أجندات، وأنه كلما انتهى إرهابي «نُصّب» غيره، حتى انتشرت صورة لساعة «رولكس» مع تعليق يقول: «رحل البغدادي وساعة الرولكس باقية»!
ومع التسليم بدور الأيادي الخفية في ظهور «داعش»، من حيث الملابسات الغريبة التي أحاطت بإنشائه، والأداء الإجرامي الذي يصعب تصوّر أنه حدث بجهود ذاتية للإرهابيين، والتجميع للإرهابيين الذي من غير المعقول أنه لم يكن تحت عين أجهزة.. فثمة الجانب المعلن من القصة.

فآلاف الشباب الذين التحقوا بـ«داعش» لم يكونوا موظفين في أجهزة استخباراتية، ولم يتلقوا تعليمات عبر أجهزة النداء اللاسلكي من أشخاص في الجانب الآخر يحملون نجوماً على أكتافهم، وإنما- من وجهة نظرهم- لبّوا نداءً في دواخلهم وارتدوا السراويل و«هاجروا» إلى سوريا والعراق يحدوهم الأمل بتحقيق ما يرونه حلماً تاريخياً ذو خلفية دينية.
جسّدت «داعش» لهؤلاء المضلَّلين حلم الخلافة عبر كيان مادي يتمدّد في الأرض، وصار للحلم عنواناً معروفاً يمكن الذهاب إليه. هذا ونحن لا زلنا نتحدث عمّن صاروا «دواعش»، ويعلم الله أعداد من حالت ظروفهم دون التفكير في الالتحاق بالإرهابيين، مكتفين بالتبرير والتعاطف «من بعيد لبعيد».

فما العمل إذن لتدفن ساعة «البغدادي» معه ولا يرثها أحدٌ من بعده؟! أعتقد أن هناك طريقتين لفعل ذلك، الأولى إقناع دول العالم بالكفّ عن وضع الأجندات واستغلال الأحلام، والثانية إقناع الشباب بأن الخلافة ليست من أصول الدين، ولا من فروعه، بل ليست مسألة دينية أساساً، وإنما نظامٌ للحكم كان مناسباً لزمنه ولا يصلح لعالم اليوم.
إعادة فكرة «الخلافة» إلى وضعها الطبيعي كنظام حكم ظهر في العصور الوسطى ولا يمكن تطبيقها الآن، مسألة غير قابلة للتأجيل، فحلم إحياء هذا الكيان الهلامي لم ينتج لنا آلافاً من «الدواعش» فحسب، بل أنتج لنا «حسن البنا» مؤسّس جماعة «الإخوان»، و«القاضي النبهاني» مؤسّس «حزب التحرير»، و«العثمانيون الجدد» الذين يسعون إلى التمدّد في المناطق التي كانت واقعة تحت احتلال أجدادهم يوماً، وهي تقريباً معظم الدول العربية وأجزاء من العالم القديم. بأحلام الخلافة التي تراود الأشخاص المخابيل يهتزّ استقرار الدول العربية وتزال الحدود فيما بينها بالجرافات وتدمر النقاط الحدودية بالسيارات المفخخة. ومكمن الخطر أن ألاعيب «الخلافة» التي تستغل من بعض الدول تجد لخطاباتها آذاناً مصغية، ولأجنداتها جنوداً، مرحبين لاختراقها ومهلِّلين.
ورغم كل ما فعلته بنا الخلافة منذ أنْ لم يعد لها وجود، فإنها ما تزال ضمن الخطاب الديني، وكل ما في الأمر أنّ الدعوة إلى إحيائها وعودتها تُصاغ عبر التحسّر على ضياعها، ولعن من كان وراء إنهائها، والأسف على التشرذم الذي حلّ بعدها، والدعاء إلى الله لتوحيد الكلمة، علماً بأن التشرذم في هذا السياق يعني الدول الوطنية المتعددة، والوحدة تعني عودة الدولة الإسلامية الكبرى.

لا خلافة بوجود دول وطنية ذات سيادة، ولا وجود لهذه الدول بعودة الخلافة، وبهذا الاعتبار، فالخلافة أكبر تهديد وجودي لأي دولة عربية أو إسلامية.
&

&